للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من ذلك، وعقد بسبب ذلك مجالس، وتطاول الكلام فيه، وادّعى كثيرٌ منهم أن مذهب الإمام أحمد في المناقلة إنَّما هو في حال الضَّرورة، وحيث لا يمكن الانتفاع بالموقوف، فأما المناقلة لمجرد المصلحة والمنفعة الراجحة فلا، وامتنعوا من قبول ما قرَّره الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك، ونقله عن الإمام أحمد من وجوه كثيرة [من طريق ابنيه صالح (١) وحَرْب وأبي داود وغيرهم، أنها تجوز للمصلحة الراجحة، وصنَّف في ذلك مسألة مفردة وقفتُ عليها فرأيتها في غاية الحسن والإفادة، بحيث لا يتخالج من اطلع عليها ممّن يذوق طعم الفقه أنها مذهب الإمام أحمد ، فقد احتجَّ أحمدُ في ذلك في رواية ابنه صالح بما رواه عن يزيد بن عوف عن المسعودي عن القاسم بن محمد: أنَّ عمرَ كتب إلى ابن مسعود أن يُحوِّلَ المسجد الجامع بالكوفة إلى موضع سوق التمَّارين، ويجعل السوق في مكان المسجد الجامع العتيق (٢)، ففعل ذلك، فهذا فيه أوضح دلالة على ما استدل به فيها من النقل بمجرد المصلحة فإنّه لا ضرورة إلى جعل المسجد العتيق سوقًا، على أن الإسناد فيه انقطاع بين القاسم وبين عمر وبين القاسم وابن مسعود، ولكن قد جزم به صاحب المذهب، واحتج به، وهو ظاهر واضح في ذلك، فعقد المجلس في يوم الإثنين الثامن والعشرين من الشهر] (٣).

وفي ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من جمادى الأولى وقع حريق عظيم ظاهر باب الفرج احترق فيه بسببه قياسير كثيرة لطاز ويلبغا، وقيسرية الطواشي لبنت تَنْكِز، وأحرق فيه دور كثيرة ودكاكين وذهب للناس شيء كثير من الأمتعة والنحاس والبضائع وغير ذلك، مما يقاوم ألف ألف وأكثر خارجًا عن الأموال، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد ذكر كثير من الناس أنه كان في هذه القياسير شر كثير من الفسق والرّبا والزّغل وغير ذلك (٤).

وفي السابع والعشرين من جمادى الأولى ورد الخبر بأن الفرنج لعنهم الله استحوذوا على مدينة صَيْدا (٥)، قدموا في سبعة مراكب وقتلوا طائفة من أهلها ونهبوا شيئًا كثيرًا وأسروا أيضًا، وهجموا على الناس وقت الفجر يوم الجمعة، وقد قتل منهم المسلمون خلقًا كثيرًا وكسروا مركبًا من مراكبهم، وجاء الفرنج في عشية السبت قبل العصر وقدم الوالي وهو جريح مثقل، وأمر نائب السلطنة عند ذلك بتجهيز الجيش إلى تلك الناحية فساروا تلك الليلة ولله الحمد، وتقدَّمهم حاجب الحجاب وتحدَّر إليهم نائب


(١) صالح وحرب ابنا الإمام أحمد بن حنبل ، فأما الأول فكان قاضي أصبهان مات سنة (٢٦٦) هـ. وفيات الأعيان (١/ ٦٥) أما حرب فلم أقع له على ترجمة فيما بين يديّ من المصادر، ولم أعلم لابن حنبل أولادًا غير صالح وعبد الله وبالأخير كان يكنى.
(٢) الذي بناه سعد بن أبي وقاص بأمر عمر بن الخطاب . معجم ياقوت.
(٣) ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من أ وب وط.
(٤) الذيل للحسيني ص (٣١٠) والذيل التام (١/ ١٤٨) والزغل: الغِشُّ.
(٥) في ط: صفد وهو تحريف، وأين صفد من الساحل. وأثبتنا ما في الذيل التام (١/ ١٥٢).

<<  <   >  >>