للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صفد الأمير شهاب الدين بن صبح، فسبق الجيش الدمشقي، ووجد الفرنجَ قد برزوا بما غنموا من الأمتعة والأسارى إلى جزيرة تلقاء صَيْدا في البحر، وقد أسر المسلمون منهم في المعركة شيخًا وشابًا من أبناء أشرافهم، وهو الذي عاقهم عن الذهاب، فراسلهم الجيش في افتكاك الأسارى من أيديهم فبادرهم عن كل رأس بخمسمئة فأخذوا من ديوان الأسارى مبلغ ثلاثين ألفًا، ولم يبق معهم ولله الحمد أحد.

واستمر الصبي من الفرنج مع المسلمين، وأسلم ودفع إليهم الشيخ الجريح، وعطش الفرنج عطشًا شديدًا، وأرادوا أن يردوا من نهر هناك، فبادرهم الجيش إليه، فمنعوهم أن ينالوا منه قطرة واحدة، فرحلوا ليلة الثلاثاء منشمرين بما معهم من الغنائم، وبُعِثَت رؤوس جماعةٍ من الفرنج ممّن قتل في المعركة فنصبت على القلعة بدمشق، وجاء الخبر في هذا الوقت بأن أيَاس (١) قد أحاط بها الفرنج، وقد أخذوا الربيض (٢) وهم محاصرون القلعة، وفيها نائب البلد، وذكروا أنهم قتلوا خلقًا كثيرًا من أهلها فإنا لله وإنا إليه راجعون، وذهب صاحب حلب في جيش كثيف نحوهم والله المسؤول أن يظفّرهم بهم بحوله وقوته، وشاع بين العامة أيضًا أن الإسكندرية محاصرة ولم يتحقق ذلك إلى الآن، وبالله المستعان. وفي يوم السبت رابع جمادى الآخرة قدم رؤوس من قتلى الفرنج على القلعة، وهي بضعة وثلاثون رأسًا، فنصبت على شرافات القلعة ففرح المسلمون بذلك ولله الحمد.

شهر جمادى الآخرة وأوّله الأربعاء وفي ليلة الأربعاء الثاني والعشرين منه وقع حريق عظيم داخل باب الصغير (٣) من مطبخ السُّكَّر الذي عند السُّويقة الملاصقة لمسجد الشّنباشي، فاحترق المطبخ وما حوله إلى حمام أبي نصر، واتَّصل بالسويقة المذكورة وما هنالك من الأماكن، فكان قريبًا أو أكثر من الحريق ظاهر باب الفرج فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحضر نائب السلطنة، وذلك أنه كان وقت صلاة العشاء، ولكن كان الريح قويًا، وذلك بتقدير العزيز العليم.

[وتوفي الشيخ عز الدين محمد (٤) بن إسماعيل بن عمر الحَمويّ أحد مشايخ الرُّواة في ليلة الثلاثاء الثامن والعشرين من جُمادى الآخرة، وصُلِّيَ عليه من الغد بالجامع الأموي بعد الظهر، ودفن بمقابر باب الصغير. وكان مولده في ثاني ربيع الأول سنة ثمانين وستمئة، فجمع الكثير وتفرَّد بالرواية عن جماعة في آخر عمره، وانقطع بموته سماعُ "السُّنَن الكبير" للبَيْهقيّ، ] (٥).


(١) في ط: إيناس والتصويب من الذيل التام.
(٢) "الربيض والربض": سور المدينة، ولعله أراد الأغنام والمواشي حول المدينة خارج السّور.
(٣) الذيل التام (١/ ١٥١).
(٤) ترجمته في: الذيل ص (٣١٢) والوفيات لابن رافع (٢/ ١٩٢) وتاريخ ابن قاضي شهبة (٣/ ١١٠) والدرر الكامنة (٣/ ٣٨٩).
(٥) ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من المطبوع.

<<  <   >  >>