للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمير سيف الدين طَيْدَمُر الحاجب الكبير بأرض حَوْران وسجنه بقلعة صَرْخَد، وجاء سيفُه صحبةَ الأمير جمال الدين الحاجب، فذهب به إلى الوطاق عند الثَّنِيَّة.

وقد وصل طاز بجنوده إلى باب القطيفة وتلاقى شاليشُه بشاليش (١) نائب الشام، ولم يكن منهم قتال ولله الحمد، ثم تراسل هو والنّائب في الصُّلح على أن يسلِّم طازُ نفسه ويركب في عشرة سروج إلى السلطان وينسلخ مما هو فيه، ويكاتب فيه النائب، وتلطّفوا بأمره عند السلطان وبكل ما يقدر عليه، فأجاب إلى ذلك وأرسل يطلب من يُشْهده على وصيَّته، فأرسل إليه نائب السَّلطنة القاضي شهاب الدين قاضي العسكر، فذهب إليه فأَوْصَى لولدِهِ وأم ولده ولوالده نفسه، وجعل الناظر على وصيته الأمير علاء الدين علي المارداني نائب السلطنة، وللأمير صَرْغَتُمُش، ورجع النائب من الثَّنيَّة عشيةَ يوم السبت بين العشاءين الرابع والعشرين منه وتضاعفت الأدعية له وفرح الناس بذلك فرحًا شديدًا، ودعَوْا إلى الأمير طاز بسبب إجابته إلى السمع والطاعة، وعدم مقاتلته مع كثرة من كان معه من الجيوش، وقوة من كان يحرِّضُه على ذلك من أَخَوَيْه وذويه.

وقد اجتمعتُ بنائب السلطنة الأمير علاء الدين علي المارداني فأخبرني بملخص ما وقع منذ خرج إلى أن رجع، ومضمون كلامه: أنَّ الله لطف بالمسلمين لطفًا عظيمًا، إذ لم يقع بينهم قتال. فإنه قال: لما وصل طاز إلى القُطَيْفة وقد نزلنا نحن بالقرب من خان لاجين أرسلتُ إليه مملوكًا من مماليكي أقول له. إنّ المرسوم الشريف قد ورد بذهابك إلى الديار المصرية في عشرة سروج فقط، فإذا جئت هكذا فأهلًا وسهلًا، وإن لم تفعل فأنت أصل الفتنة. وركبت ليلة الجمعة طول الليل في الجيش وهو ملبس، فرجع مملوكي ومعه مملوكه سريعًا يقول: إنه يسأل أن يدخل بطلبه كما خرج بطلبه من مصر، فقلت: لا سبيل إلى ذلك إلا في عشرة سروج كما رسم السلطان، فرجع وجاءني الأمير الذي جاء من مصر بطلبه فقال: إنه يطلب منك أن يدخل في مماليكه فإذا جاوزَ دمشقَ إلى الكُسْوة نزل جيشه هناك وركب هو في عشرة سروج كما رسم فقلت: لا سبيلَ إلى أن يدخلَ دمشقَ ويتجاوز بطلبه أصلًا، وإن كان عنده خيل ورجال وعدَّة فعندي أضعاف ذلك، فقال لي الأمير: يا خَوَنْدُ لا تكونُ تُنْشِئُ فِتْنَةً، فقلت: لا يقع إلا ما تسمع، فرجع، فما هو إلا أن ساق مقدار رمية سهم وجاء بعض الجواسيس الذين لنا عندهم فقال: يا خوندُ هاقد وصل جيش حماةَ وطرابُلُس، ومن معهم من جيش دمشق الذين كانوا قد خرجوا بسببه، وقد اتفقوا هم وهو. قال: فحينئذ ركبت في الجيش وأرسلت طليعتين أمامي وقلت تراؤوا للجيوش الذين جاؤوا حتى يرَوْكم فيعلموا أنا قد أحطنا بهم من كل جانب. فحينئذ جاء الردُّ من جهته بطلب الأمان ويجهرون بالإجابة إلى أن يركبَ في عشرة سروج، ويترك طلبه بالقُطَيْفة، وذلك يوم الجمعة، فلما كان الليل ركبت أنا


(١) "الشاليش": مقدمة العساكر.

<<  <   >  >>