للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورجَوْا فيه فرجًا قريبًا، إذ بهذه المطرة تتضاعف الغلّات وتكثر، ويزول ما بالناس من الجهد بسبب الغلاء المستمر شهورًا عديدة، الخبز دون الرطل بدرهم، وأنهى ما يرتفع إلى الرطل، والقمح الغرارة بثمانين وأزيد.

وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثالث عشره قدم الأمير الكبير بيدمِر الذي كان نائب الشام، فنزل بداره عند مئذنة فيروز، وذهب الناس للسلام عليه، بعدما سلّم هو على نائب السلطنة بدار السعادة، وقد رسم له بإمرة مقدمة ألف، وولاية الولاة بحوران والسواحل (١).

وفي يوم السبت سابع عشره رسم نائب السلطنة بجمع طائفة الأعاجم بمرسوم ورد من الديار المصرية وأُخذوا إلى دار السعادة، وكذلك في يوم الأحد بعده، ولم يبيّن لماذا كان طلبهم، ونودي على الخبز الصافي العلامة كل رطل بدرهم، وعلى الذي دونه رطل ووقيتين، ونزل سعر القمح إلى المئة وستين ونحو ذلك، ففرح الناس بذلك فرحًا شديدًا.

شهر رمضان المعظم، أوّله الجمعة، جرت العادة في هذا الشهر أن يُقرأ علي (صحيح البخاري) في مواضع متعددة؛ فمن ذلك بمسجد هشام، ثم تحت قبة النّسر بالجامع الأموي، ثم يُقرأ صحيح مسلّم عند محراب الحنابلة منه، ثم بمدرسة النورية البخاري، ثم بعد الظهر بجامع تنكِز. ثم قبل العصر بالمدرسة العزية بالكجك، ثم بعد العصر بدار الأمير علي المارداني بالقصّاعين. فللَّه الحمد والمنّة على ذلك أولًا وآخرًا.

في العشر الأول منه ظُهر على رجل شيخٍ صنعته دقّاق يغتال النّساء والبنات، يقتلهنّ خنقًا، ويأخذ ما عليهن، حتَّى إنه اعترف أنه خنق صغيرة بنت ثماني سنين، فشُنق بعدما عُوقب.

وفي يوم الأربعاء ثالث عشره نودي على الخبز الطيب كل رطل ونصف بدرهم. والله الحمد.

ولما كان يوم الإثنين ثامن عشره طلب الأمير بَيْدَمِر إلى دار السعادة، فخُلع عليه خلعة سنيّة بولاية الولاة من بلاد غزّة إلى أقصى بلاد الشّام، وأكرمه نائب السلطنة إكرامًا زائدًا، واحترمه.

شهر شوال، أوّله الأحد، في يوم الثلاثاء عاشره توفي الشيخ نور الدين علي بن الصارم بن أبي الهيجاء الكَرْكي الشّوبكي، ثم الدمشقي، الشّافعي (٢)، كان خفيف الروح، يحبَّه الناس ويرغبون في عشرته لذلك، وكان يستحضر المتشابه في القرآن استحضارًا حسنًا متقنًا، كثير التلاوة له، حسن الصلاة، يقوم الليل، وقرأ عليّ (صحيح البخاري) بمسجد ابن هشام عدّة سنين، ومهر فيه، وكان


(١) السّواحل: مكان بعينه قرب حوران، وليس ساحل البحر.
(٢) ترجمته في المطبوع لكنها مضطربه عما هاهنا، وفي تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٢٦٥ نقلًا عن ابن كثير.

<<  <   >  >>