للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَغِيبه، وذكروا أنّ معه تواقيع عدة: منها توقيع الدّست، وقضاة العساكر للحنيفة مشاركًا لحافظ الدين، وغير ذلك.

وفي ثامنه قدم الأمير زَبَالة من مدينة الكَرَك من نيابتها، وقد أُقيل منها إلى دمشق، فنزل بدار الذَّهب، وجُعل أمير أربعين، وذهبَ النَّاسُ لتهنئته.

وفي ليلة السبت عاشره قدمَ نائب السّلطنة الأميرُ مَنْجَك إلى دمشّق، ودخل طلبُهُ وقت السّحر، وأصبحَ فركب في الموكبِ وحضرَ في الخِدمة، وذهب النّاسُ للسّلام عليه.

وممَّن ذهب للسَّلام عليه خطيبُ المسجدِ الأقصى الإمام العلامة برهان الدّين بن جماعة، وكان قد قدِم في أواخر الشَّهر الخارج.

وفي يوم الإثنين ثاني عشره لبس القاضي شمسُ الدين محمدُ بن مرّي خِلعةَ الحِسبة بين يدي ملك الأمراء بدار السَّعادة، ودار في البلد، ونظرَ في مصالح النَّاس على العادة، وضربَ وأَدَّبَ وأظهر شدَّةٌ وعنفًا، هذا والأسعارُ مستمرةٌ على غلائها؛ القمحُ بنحو المئتين، والشَّعير تزايد عن المئة، والخبزُ عشرُ أواق بدرهم.

وممن توفيّ في هذا الشهر من الأعيان قاضي القضاة سَريُّ الدِّين إسماعيل بن هانئ المالكي (١)، أصله من الأندلس، وأقام دهرًا طويلًا بمدينة حماة يشغل الناس في فنونِ من العلوم، وكان أستاذًا في العربيَّة والنَّحو والتّصريف وأشعار العرب، بارعًا في ذلك حافظًا كبيرًا، وكان يحفظُ الموطَّأ للإمام مالك، ويكرّر عليه، ويستحضره في أوقاته، ويحفظ فقهًا كثيرًا في مذهبه، وكان في لسانه لثغة في حروفٍ متعددّة يشقُ عليه التعبير بسبب ذلك، ولولا ذلك لنشر علمًا عظيمًا، ثمّ ولّي قضاء المالكية بمدينة حماة في آخر عمره، ثم نقل إلى قضاء دمشق عوضًا عن قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي، فأقام نحوًا من سنتين، ثم أُعيد [القاضي] (٢) جمال الدين المسلاتي، ورجع سريّ الدين إلى قضاء حماة على عادته، ثم طلب إلى الدّيار المصرية، فلمّا وصل إليها وأقام بها يسيرًا، فكانت وفاته بها في العشرين من هذا الشهر، ودفن بالقَرَافة، وقد قارب السبعين (٣) أو جاوزها. وقد كان كثير العبادة والصّلاة، حسنَ الاعتقاد على طريقة السّلف، لكن نُقِمَ عليه لكونه استنابَ ولده ناصر الدين محمد حين وليّ القضاء بدمشق، وكان ابنه سيّئ السيرة (٤).


(١) ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٣٦٨ - ٣٦٩. نقل بعضه عن ابن كثير، والدرر الكامنة ١/ ٣٨٠ - ٣٨١، والذيل التام ١/ ٢٤٤، وبغية الوعاة / ٤٥٦. والشذرات ٨/ ٣٧٨. وفيه: "وبالع ابن كثير في الثَّناء عليه".
(٢) في الأصل: طمس قدر كلمة.
(٣) والذي في تاريخ ابن قاضي شهبة: "وهو ابن ثلاث وستين سنة". ومثله في الذيل التام. ولعلّه الأقرب إلى الصواب.
(٤) يقول ابن العماد الحنبلي في الشذرات: "ولم يكن فيه ما يُعابُ إلّا أنّه استناب ولده، وكان سيء السيرة جدًّا" ا، هـ.

<<  <   >  >>