للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شهر شَّوال المبارك، أوّله الجمعة. في يوم السبت سادس عشره خرجَ المحمَلُ والحَجيجُ، وأميرُهم علاء الدّين بن أُقْجَاي (١) أحد أمراء الطبلخانات، وقاضيهم شهاب الدين النِّيني.

وفي أواخر هذا الشهر قدمَ نجم الدين بن فخر الدين السِّنْجاوي من الدّيار المصريّة ومعه تواقيع متعدّدة؛ منها نظرُ الأوقاف، ونظرُ الأيتام، مضافًا إلى ما كانَ بيده من الأَوْصياء، ومعه تذكرةٌ بأمورٍ مُنكرةٍ بأخذ زكاة أموال التُّجَّار، وزكاة أموال الأيتام، وثلث الموصى به من الوصايا للبرِّ والصَّدقات، وأن يُحمل ذلك جميعه إلى الدّيار المصريّة، وعلى يديه أيضًا أن يُؤخذ من قضاة البرِّ ما كانوا بَرْطَلُوا به حتى تولَّوا، فكان جمله ذلك ستة آلاف دينار وأربعمئة وثلاثين (٢) دينارًا، وهذه طامَّةٌ كبرى، وعلَّم له نائبُ السَّلطنة على ذلك جميعِهِ.

وفي يوم الإثنين الخامس والعشرين منه قدمَ مُسَفَّرُه (٣) يوم الأربعاء سابع عشر منه، فنزل عنده تجاه المدرسة الأمينيّة وجعلوها محكمة لهم، ووقف ببابه والي البر، ووالي المدينة، ونقيبُ النّقباء، واجتمع عنده نقباءُ ورجالةٌ كثيرةٌ، وجاء للسَّلام عليه كاتب السرّ، وناظرُ الجيش، والقضاةُ، والأمراء، فتطلَّبَ جماعةٌ ممَّن تحت يده من أرباب الوصايا، ومن لهم مالٌ جزيلٌ، ومن تحت يده وصيةٌ أو صدقةٌ؛ فجمع أموالًا جزيلة جمَّةً، وختمَ على مخازن كثيرةٍ بقَيْسَارية الفَرْش، من مخازن الأيتام والأوصياء وغير ذلك، وتكلّم في البلد فخافَ النَّاسُ منه بسبب المسفَّر الذي معه، وفي أرض النّهار يحكم بهذه القضايا الفظيعة، وفي الليل ذُكر عنه أمرُهُ بكلِّ فعائل قبيحةٍ غير مرضية، وأرسل إلى نوّاب القضاة بالبرّ جماعةً من البريدية ليحضُروا، ويُحضِروا ما في التَّذكرة من المصادرة بالذَّهب، ثم كان من أمره ما سنذكره في أَوَّلِ الشهر (٤).

شهرُ ذي القعدة، أوّلُه السبت. لمّا كانَ يومُ الأحدِ ثانيه غُلِّقت أسواق البلد جميعُها؛ الخوَّاصين، والرمّاحين، والشّرب، والصَّاغة، وغُلّقت مراكز الشُّهود ومدارس الحكّام، وحضر كثيرٌ من العامَّة، وتواعدَ النَّاسُ للحضور إلى نائب السَّلطنة يتظلّمون (٥) ابن السِّنجاريّ، وحضر كثيرٌ من العامَّةِ إلى باب الأمينية ليَهجُموا عليه، فعَلَّق دونَهُ البَابَ، فرجَمُوا باب المدرسة، ورجَمُوا الطَّاقات، وكسَرُوا قنديلَ المدرسة، وما زالوا مُحاصريْهَا (٦) إلى أن دخلَ اللَّيلُ، فلمّا أصبحَ يومُ الإثنين ثالثه اجتمعَ الخلائقُ من كلِّ فجٍّ عميق من أهل مدرسة أبي عمر وغيرهم؛ من القرَّاء والعلماء والصُّلحاء، ورفعوا مصاحف كثيرةً،


(١) في الأصل: (أَقجبا). تحريف.
(٢) في الأصل: (ثلاثون) وهو غلط.
(٣) في الأصل: (متسفّره). وهو رسوله المختصّ به.
(٤) في الأصل: طمس قدر كلمة. وانطر تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٣٨٣.
(٥) في الأصل: (يتضلمون) بالضاد. تحريف.
(٦) في الأصل: (محاصرينها). وهو غلط.

<<  <   >  >>