للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإياه فولاه القضاء كما وقع عليه الاتفاق من الأمراء وغيرهم، فامتنع من ذلك مرارًا، ثم ألحَّ عليه السُّلطانُ، وأقسم عليه، فسكَتَ وأطرق فأمر السلطان بإحضار خلعةٍ فأُفيضَتْ عليه، واشتَرَطَ شروطًا كثيرةً يعودُ نفعُها على الناس، فالتزم له السَّلطان بذلك، ثم خرج من بين يديه في أبَّهة عظيمة، وخرج معه أعيانُ الدّولة، وحَجَبَهُ الأميران الكبيران مَنْكَلي بُغَا وأُلجاي (١) اليوسفي إلى باب القلعة، وركب الحَجَبَةُ بين يديه، وأُوقِدَتْ له الشُّموع من باب القلعة إلى المدرسة الصَّالحية الذي فيها سكنُه بين العَصْرَين، فراحَ النّاسُ لتهنئته حتى قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء المعزول عن المنصب، فتلقاه تلقيًا حسنًا، وأكرمه إكرامًا زائدًا، وفرح أبو البقاء بولايته لما يعلَمُ فيه من الرِّياسة والإحسان.

قال والدي الحافظ ابن كثير (٢): فما سمعنا في هذه الأَعْصَار بولاية أَكْمَلَ من هذه، ولا أبعد من تُهْمَةِ الرّشوة منها، بل قد ذُكر لنا أنه قيل: إنَّ عليه دين كثير فالتزم (٣) بقضائه - فالحمدُ لله رب العالمين.

شهرُ رجب الفرد، أَوّله الجمعة. في نهار الإثنين حادي عشره داروا بالمَحْمَل حَوْلَ البلد على العادة في تجمُّلٍ هائل، واحتفالٍ زائدٍ جدًّا.

وفي يوم الجمعة ثاني عشر منه صُلِّيَ بعد الصَّلاة بالجامع الأموي صلاة الغائب على قاضي القضاة سراج الدين الهندي الحنفي (٤) بالديار المصرية بالديار المصرية، توفي بها - رحمه الله تعالى، وذكروا أنَّه ولي القضاء بعد قاضي القضاة صدر الدّين ابن قاضي القضاة جمال الدين ابن قاضي القضاة علاء الدين بن التُّركُماني.

وفي آخر يوم منه قدم البريدُ [من أراضي] (٥) حلب برجل طويل بائن، لم يُرَ في هذه الأعصار أطول منه، ذكروا أنَّ طوله أربعةُ اذرعٍ بالحديد، وعرضُ أكتافه ذراعين، وهذا طولٌ زائد جدًّا.

شهر شَعبان المكرّم، أولُه السبت. في نهار الإثنين ثالثه ركب نائب السلطنة مَنْجَك إلى الصَّيد، وذكروا أنه استصحب معه نحوًا من تسعين عَليْقةً، وربَّما أنَّه لم يحضُر إلا بعد عيدِ الفطر، فالله أعلم.

وفي العشر الأوسط منه توفّي الخطيبُ شمس الدين محمد ابن الشيخ عز الدين محمد المقدسي الحنبلي (٦)، خطيبُ الجامع المظفَّري بسفح قاسيون، وكان شيخًا صالحًا عابدًا زاهدًا عالمًا مفتيًا، له يدُ


(١) في الأصل: (ألجيه).
(٢) نقله السخاوي في أحداث سنة (٧٧٣ هـ) في الذيل التام ١/ ٢٥٢.
(٣) يعني السلطان.
(٤) هو: عمر بن إسحاق الغَزنوي الهندي.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٤٠٥ - ٤٠٦، ٤٠٦، والدرر الكامنة ٣/ ١٥٤ - ١٥٥ والنجوم الزاهرة ١١/ ١٢٠، والذيل التام ١/ ٢٥٤، والشذرات ٨/ / ٣٩١ - ٣٩٢.
(٥) في الأصل: طمس قدر كلمتين. انظر الذيل التام ١/ ٢٥٣ والخبر فيه.
(٦) ترجمته في: الدرر الكامنة ٤/ ٢٠٠. وفيه: محمد بن علي المقدسي والذيل التام ١/ ٢٥٥.

<<  <   >  >>