للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من شهر تشرين الأول، وقعَ مطرٌ عظيمٌ وراعدٌ قويٌّ، وجاءت زيادةٌ هائلةٌ إلى أن سدَّت أبواب الأنهار. وانكسر بعضُها، وانقلبَ الماءُ جميعُه إلى نهر بردى؛ فتلِفَ بسبب كثرة الماءِ شيءٌ كثيرٌ، وبَطَّلَتْ طواحينُ كثيرةٌ وحمَّامات، وهذا شيء لم يُعهد.

شهر جُمادى الأولى، أوّله الجمعة. وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره توفّي الشيخ تقيُّ الدين محمد بن رافع السَّلَّامي الشّافعي (١) بمحلة الزّويرانيَّة، وصلي عليه من الغد بالمصلى، ودفن بمقابر باب الصغير كان من طلبة الحديث، وأسمعهُ والدُه الكثير، وقرأَ المنهاجُ للنَّووي في الفقه، ودرَّس في أماكن كثيرةٍ من دور الحديث؛ من ذلك النُّورية والقُوصية، والفَاضليّة، والعزّيّة البرّانيّة، وتنزَّل في المدارس بين الفُقهاء، منها الشّاميّة البرّانية، وكان قد غلب عليه الوسواس في الوضوء، فلقي من ذلك شدَّةً وعناء - سامحه الله.

وفي يوم الأحد الثالث والعشرين منه حضرتُ الدَّرس بدار الحديثِ النُّوريّة (٢)، وحضر عندي قاضي القُضَاة الشّافعي، وجماعةٌ من الفضلاء وغيرهم، وكانَ الدَّرْسُ فيما يتعلق بالثُّلاثيَّات (٣) الواقعة في الكُتبِ السِّتَّة.

وفي العَشْرِ الأخير من هذا الشهر: ورد البريدُ بتقليد الأمير الكبير سيف الدِّين بَيْدَمِر نيابةً طَرْسُوس ومعاملتها وما يلوذُ بها من البلدان، وبإمرة طَبْلخاناه بمدينة حلب المحروسة.

شهر جمادى الآخرة، أوله الأحد. في اليوم الثامن منه توفّي الشيخُ الإمامُ العالمُ شمسُ الدّين محمدُ بن المَوْصلي (٤) بسكن دار الحديث الأشرفيّة، وصلّي عليه بعد صلاةِ العَصْرِ بجامع دمشق، ودُفن بمقابر باب الصغير، وقد جاوز السّبعين بسنوات قرأ القرآن والفِقه، وسمعَ الحديث، وكان غالبُ مقامِهِ بطَرَابُلس، ثم انتقل إلى دمشق قبل وفاته بنحوٍ من بضع وعشرين سنةً، وكتب خطًّا حسنًا فائقًا، وقال شعرًا رائقًا، نظم (المنهاجَ) للشَّيخ محيى الدّين النَّووي، وقدَّمه للملك عماد الدين صاحب حماة؛ فأعطاه جائزةً حسنةً، ألف درهم، وخِلعةٌ، وحظي عنده، ثم أقام بدمشقَ، وولي خطابة جامعِ يَلْبُغا، وخطبَ فيه جمعةً أو جمعتين ثمّ عُزِلَ عنه، ووليهُ الحنفيَّة، وكان أحد المصدَّرين بالجامع الأموي،


(١) صاحب كتاب الوفيات. ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٤٢١ - ٤٢٣، والدرر الكامنة ٣/ ٤٣٩ - ٤٤٠، والنجوم الزاهرة ١١/ ١٢٤، والدارس ١/ ٧٠، والذيل التام ١/ ٢٦٠ والشذرات ٨/ ٤٠٣.
(٢) الحاضر ابن كثير. يتحدَّث بضمير المتكلّم مُمْليًا على ولده.
(٣) المراد بها الأحاديث المتَّصلة إلى رسول الله ، بثلاثة رواة.
(٤) هو: محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان، أبو عبد الله البعلي، المعروف بابن المَوْصلي.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٤٢٤، والدرر الكامنة ٤/ ١٨٨، والذيل التام ١/ ٢٦١، وبغية الوعاة ١/ ٢٢٨، والشذرات ٨/ ٤٠٦.

<<  <   >  >>