للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحضر مشيخة الحديث بالفاضليّة الذي بالكلّاسة، وتردَّد إلى بعض الفِقَاهات بالمدارس، وكتب ربعاتٍ كثيراتٍ، وكتب البُخاري، وخلَّف كتبًا كثيرةً، وخلَّف ولدَيْن، وترك لهما تركةً كبيرة جدًّا نحوًا من مئة ألف درهم وإيانا وسائر المسلمين، آمين.

وفاة الأمير مَنْكَلي بُغَا نائب دمشق، كان. وفي يوم الجمعة ثالث عشرة صُلِّي على الأمير مَنْكَلي بُغَا الشَّمسي (١) بعد صلاة الجمعة صلاة غائبٍ، كان من خيار الأُمراء سيرةً، عنده فضيلةٌ في العربيّة والفقه، وكَتَبَ حسنًا، وقد نابَ أولًا في مدينة صَفَدٍ، ثم طرَابُلُس، ثم انتقل إلى نيابة حلب، ثم باشر نيابة الشام، فأَثّرَ بها آثارًا حسنةً مشهورةً، وأحسن إلى أهلها وأحبُّوه، ونظر في أوقاف الجامع فعَمَرها، وعمَّر القَيْسَارِيَتَّيْنِ (٢)، وهُما قِبْلي سوقِ التُّجَّار، وكانتا في غاية ما يكون من الحُسن، وهما دَهَشَةٌ للرّجال ودَهْشَةٌ للنِّساء، رتَّبَ عليها درس التَّفسير وولّاني إيّاه، ورتب سبعًا وقتَ السَّحر، وخمسين يتيمًا يتعلَّمُون القرآن، لكلِّ يتيم في كلِّ شهرٍ عَشَرَةُ دراهم، وفَتَحَ باب كَيْسان، وقد كان مغلقًا من زمن نور الدِّين الشهيد، وحصل بفتحه فرجٌ عظيم، وانكشفت به حارَةُ اليَّهودِ اللّعينة، وعمَّر مسجدَ الشَّهْرَزُوري (٣)، وأنشأ فيه خُطبةً، ولم يُسبق لمثل ذلك، فأرفق الناس بها شيئًا كثيرًا، وعمَّر مسجد خالد بن الوليد داخلَ بابِ الشَّرقي، ورفع الماءَ من نهر يزيد إلى أعالي النّاصرية البرَّانيَّة، وإلى أعالي بيمارستان الصَّالحيَّة، فارتفقُوا به، وزادت أوقافُهم.

رجَعَ إلى نيابة حلبَ فبنى بها جامعًا حَسَنًا بخُطبةٍ، ثم طُلِبَ إلى الدّيار المصرية مكرّمًا معظّمًا، فصار مالك رأس المشورة، وأتابَكِ الدّيار المصريّة، ونَزَل بالأشرفية، ونَظَر في الأوقاف المَنصورية فعمَّرَها وثمَّرَها، وبعثَ مالًا جزيلًا فعمَّر به خانًا هائلًا عند جسرِ المَجَامع بالغَوْر، فارتفقَ المسافرون به رِفقًا عظيمًا، وكذلك عمَّر خانًا بقرية سَعْسَع من إقليم دمشق، فارتفقَ النَّاسُ به أيضًا، وقد كانت محلَّته قبل ذلك يَقْطَعُ الطَّريقَ فيها أهلُ تلك النَّاحية - فجزاه الله خيرًا ورحمه.

وقد جمعتُ له سيرةً مُفردة في أوراق عديدة وسميتها "ما يُنتقَى ويُبْتَغى في سيرةِ المُقرّ السَّيْفي مَنْكَلي بغا" (٤).


(١) ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٤٢٦. وفيه: (وقد جمع شيخنا ابن كثير له سيرةً وقرأها عنده). والدرر الكامنة ٤/ ٣٦٣، والنجوم الزاهرة ١١/ ١٢٤، والذيل التام ١/ ٢٦٣. وفيه نقل عن ابن كثير. والشذرات ٨/ ٤٠٧. وفيه نقل عن ابن كثير أيضًا، وإعلام النبلاء ٢/ ٣٦٢ - ٣٦٣.
(٢) انظر البداية والنهاية ١٦/ ٤٥٨، وتاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٢٦٢ - ٢٦٣.
(٣) في الأصل: (الشَّهرزوري) بالسّين، وأثبتّ ما في الدارس ٢/ ٢٤٤.
(٤) أشار إليها ابن حجّي. انظر تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٤٢٦، والسخاوي في الذيل ١/ ٢٦٣ نقلًا عن ابن كثير نفسه.

<<  <   >  >>