للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي يوم الأحد خامس عشره صُلِّي على الشيخ شمس الدّين السَّمَرْقَندي (١)، ودُفنَ بمقابرِ بابِ الصَّغير عندَ الشَّيخ حمَّاد (٢)، كان فاضلًا عالمًا عابدًا كثير البذل، لا يقتني شيئًا، يقتدي بأخلاق الصُّوفية وفقه الفقهاء، ويُؤْثِرُ على نَفْسه .

وفي هذا الشهر تكامل بناءُ القَيْسَاريَّة التي أنشأهَا واعتنى بتجديدها وبنائها الصُّاحِبُ شمسُ الدين البَهنَسي ناظرٌ الجامع المَعمور، وقد كانت على هيئةٍ ضعيفةٍ قد تداعَتْ إلى الخراب، فبناها على هيئة حسنة التي (٣) ليس لها نظيرٌ في البلد، وهي قبلي الصَّاغة، وقد فُتِحَ إليها من الصَّاغَةِ بابان مُحْدَثان، وسُدَّ البابُ المعهود الذي كان قبل ذلك، ووُسِّع فيها أماكنُ كثيرةٌ، ورباعٌ وبيوتٌ، وساقَ الماءَ إلى دكانِ الفقاع، وضُمِّنَتْ هذه القَيْسَاريَّة وما يليها في السَّنةِ بنحوٍ من خمسين ألفِ دِرْهمٍ.

وفي أواخرِ هذا الشَّهر أيضًا تكامل بناءُ الحمَّام الذي أنشأه نائبُ السَّلطنة مَنْجَك، وهو خارجُ بابِ الفراديس، وجاء في غاية الحُسْن والبَهاء والزَّخْرَفَةِ، والرُّخام الهائل والأَجْرِنَةِ المُتَّسِعة الكبيرة، وهذا الحمَّام لم يُرَ له نظيرٌ في آفاق الأرض.

شهرُ رَجب الفَرْد، أوّلُه الثلاثاء. استهلّ هذا الشّهرُ والأمطارُ قليلةٌ جدًّا، وأكثرُ القَرَايا بحَوْران يردُون ليس عندهم من الماء ما يكفيهم، وقد انسلخ شهرُ كانون الأولِ والأَمْرُ على ما ذكرنا.

وفي ليلة الجمعة رابعه وقع حريق في محله دورِ بني فضل الله داخل باب الفراديس، فأَتلف شيئًا كثيرًا من عمائرهم، وأماكن كثيرة، فأحرق القاعة الكبيرة، وطبقةً هائلة فوقها، وبعض البحرة، وبعضَ القاعة الأخرى، وذهبَ بسبب ذلك أثَاتٌ كثيرٌ، ولا سيّما أنَّه كان ساكنًا بالمكان المذكور أميرٌ كبيرٌ، فإنَّه عدم (٤) له شيء كثير.

ولمَّا كان ليلة النصف منه، وهو العاشر من كانون الثاني: سقطت أمطارٌ عظيمة، وثلجٌ كثيرٌ وبَرَدٌّ، واستمرَّ ذلك ليالي وأيامًا (٥)، وفرح المسلمون بذلك جدًّا، وجاءتِ الأخبارُ عن بلاد حوران وما والاها بأضعاف ذلك، ولله الحمد والمنة.

وكذلك وقعت أمطار كثيرةٌ وثلوجٌ هائلة، وتدارك ذلك ليلًا ونهارًا، صباحًا ومساءً، في العَشْرِ الأخير


(١) هو محمد بن علي. المعروف بابن العطار.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٤٢٣ نقلًا عن ابن كثير.
(٢) هو: الشيخ الصالح العابد الزاهد حماد الحلبي القطّان. توفي سنة (٧٢٦) هـ) ودفن بباب الصغير. انظر البداية والنهاية ١٦/ ١٩٨.
(٣) هكذا هي في: الأصل.
(٤) في الأصل: (عُدّ). تحريف.
(٥) في الأصل: (ليالٍ وأيام). وهو غلط.

<<  <   >  >>