للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجاوز ما قد حل في كلّ غايةٍ ... وعند التناهي يقصر المتطاول

ودعني أدعو والأنامُ تجيبني ... بآمين إذ تصغى لما أنا قائل

بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله ... وهذا دعاء للبرية شامل

اللهم يا مفرج الكروب، وكاشف الخطوب، ومقلّب القلوب، قلّب لنا قلب مولانا لإجابة هذا المطلوب، وإنالة هذا المحبوب المرغوب، إنك أكرم من أجاب الدعا، وحقق ظن من توجه إليه وسعى، وأفضل الصلاة والتسليم (وأكمل التبجيل المحفوف بالعظيم) على سيدنا المخصوص بعموم الشفاعة، تلك الساعة، وعلى آله وصحبه الغيوث النافعة، أن تيسر لنا ما نرومه ونرجوه، فأنت أكرم من توجهت إليه الوجوه. أهـ.

وعند ذلك أقاله الأمير من خطة القضاء يوم الأحد الرابع من رجب الأصب عام ٩٣ ثلاثة وتسعين ولازم بث العلوم في صدور الرجال، غير أنه لم تمض عليه العشرة الأشهر حتى استعاده لخطة القضاء فعاد إليها يوم الإثنين السادس والعشرين من ثاني ربيعي سنة ٩٤ أربع وتسعين واستمر على كرهه للخطة قائماً بأعبائها، وفي شهر ربيع الأول سنة ٩٧ سبع وتسعين أعاد الكرة إلى طلب الإقامة وكتب في ذلك مكتوباً بديعاً أجابه عنه الأمير بما اقتضى إبقاءه بعد المراجعة واستمر على خطته حتى كانت مدة مباشرته نحواً من الاثنين والعشرين سنة.

وقد امتحن في الطاعون الجارف سنة تسع وتسعين ومائة وألف بفقد خمسة أولاده وزوجته وأخته وقد قال في ذلك: [الوافر]

إذا فكّرتُ ما فعل الوباء ... بأولادي وضاقَ بيَ الفضاءُ

أقول لئن غدوتُ الآن فرداً ... ففي الله الكفاية والرّجاء

وبعد ذلك كاتبه والده في التزوج فأعلمه أنه ترك التزوج حيث أيس من الولد. فكتب إليه والده "لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" (٨٧ يوسف) وزوجه بابنة الفلايح فرزق منها بولده العالم وقد عاش حتى رآه في خطة الفتيا ورأى ولده عالماً.

ولما توفي نقيب الأشراف الشيخ عبد الكبير الشريف قدمه الأمير حمودة باشا لنقابة الأشراف سنة ست ومائتين وألف، وقد علمت مما سبق أن له نسبة في الشرف النسبي زيادة على الشرف العلمي.

ولما توفي شيخ الإسلام والده قدمه الأمير حمودة باشا (لنقابة الأشراف سنة ست ومائتين وألف وقدمه) لخطة الفتيا يوم السبت سابع المحرم من سنة ١٢١٥ خمس عشرة ومائتين وألف فأولاه مفتياً ثانياً وأقام في الفتيا إلى أن توفي شيخ الإسلام البارودي فقدمه الأمير لخطة مشيخة الإسلام ثاني ربيعي سنة عشر ومائتين وألف، فنهض لها نهوض زعيم، وبذل في خدمة العلم الجهد العظيم، ونظم من مسائل الفتاوي كثيراً وحرر كثيراً من الرسائل، في مهمات المسائل، وله رسالة جليلة في صحة الرجوع عن الوصية الملتزم عدم الرجوع عنها نحا فيها منحى الاجتهاد وجمع بين مذهبه ومذهب المالكية ثم عرضها على علماء عصره المالكية فكتب عليها العالم الشريف الشيخ محمد المحجوب مقرظاً بقوله: [الطويل]

إليك فخذها درةً في نظامها ... فريدة فذِّ العصر بل وأفخمُ

حباك بها فرعُ العلوم محمّدٌ ... كما أصله فرد الكمالات (بيرمُ)

هما فاضلا عصريهما وكلاهما ... به مذهب النعمان جذلانُ يبسم

ولما تبدت بان للحق وجههُ ... فأصبح منثوراً وقد كاد يهدم

ولمْ لا وقد وافت بجند دلائل ... تلاه من التحقيق جيشٌ عرمرم

تعاضد فيها المذهبان وحبذا ... وفاق بلا خلفٍ بدا فهو أسلم

فجوزي بالحسنى وقوبل بالرضا ... من الله في يوم رضا الله أعظم

وقرظها الشيخ أبو محمد حسن الشريف بتقريظ بديع وهذا نصه: حمداً لمن أقام لتبيان أدلة الشريعة أقواما، ونصب لتوضيح مشكلها أعلاما، وصلاة وسلاماً على من قررها أكمل تقرير، ثم على من بلغها لمن جاء في الزمن الأخير.

<<  <   >  >>