للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد فقد وقفت على هاته الرسالة التي يرحل إليها، والفوائد التي يعوّل في بيان المعاني الغوامض عليها، الفرائد التي لا يلفت إلى ما خلفها ولا يقبل إلا على ما بين يديها، وتأملتها بعين الإنصاف، ولحظت ما اشتملت عليه من بدائع الأوصاف، فوجدت لسان التحقيق قد نطق بفضلها، وحاكم الانقياد قد قضى برفعة محلها، ورأيت نقودا لا سبيل لصرفها عن الصواب، وأسئلة يعسر عنها فتح باب الجواب، وأبحاثاً قد شهد ميزان الامتحان برجحانها، وصدق الاختبار بفضلها عند امتحانها، ومسائل قضاياها محفوظة من النقض، وأبكار مزاياها محروسة عن الفتك والفض وتصاريف إلا عن الإجادة مصروفة، وبمنع الموانع معروفة وموصوفة، فدلت على جودة جواد منشيها، وىذنت بصولة أنظار مبدعها ومبديها، وأنه مفرد العصر، وعلامة هذا المصر، فلله در ناظم عقودها، وراقم برودها، فقد جلا عليها للأبصار ما شاء من زين، وجلا عن البصائر ما شاء من رين، ما تصدى فيها لبحث إلا بثته بغاية البيان، ولا وجه جياد آرائه إلى غاية إلا كانت مطلقة العنان، فيا لها من غرر مجد في وجه الزمان ساطعة، ودرر فضل في جيد الزمان لامعة.

[الطويل]

سرتْ غرراً تزري من الحسن أنجما ... وعن درّها ثغر العلوم تبسّما

عجبتُ لها في جنح ليل تطلعتْ ... وما استندت إلا إلى الشمس منتمى

عقيلة فكر قلد الحسنُ جيدها ... وصاغ لها حليّاً وعقداً منظما

أبتْ أن تجوب الترب إلا ترفعا ... فما وطئت إلا بدوراً وأنجما

وضاءت بأذن الجهر شنفاً وأشرقت ... محاسنها في الثغر منه تبسما

وجرّت ذيول التيه عن حامل الربى ... فأزهرت بأزهار الرياض تنسما

بأيّ حجا صيغت فقد أعجز الحجا ... وأفحم معناها الفحولَ تفهما؟

ترنّم إعجابا بها الدهر ناطقا ... وأعرب حتى قيل: ما الدهر أعجما

أبان لسانُ الحق فيها رسوخه ... وأفصح فيه العلم عنهُ مترجما

يراها فيزري ذو العلوم بنفسه ... ويقسم جهراً أنه ما تعلما

فلو كان للسر المكتم سلّمٌ ... لكانت لما استخفى من العلم سلما

بني العصرِ إذعانا فمن كان قبلكم ... ومن بعدُ يأتي لو رآها لسلما

قد استخلفتها الكتب في العلم كله ... كما استخلف النعمان في الفقه (بيرما)

رسالة محمود المقام (محمّدٍ) ... لحق على إعجازها أن تسلما

مقدمة إذ قدم الله ربّها ... محكّمة إذ كان هو المحكّما

ولا غروَ أن كان الأخير فإنه ... إذا ذكرَ الأعلامُ عدّ المقدما

فتىً كرمت آباؤه وجدوده ... فهم مرهم في الفضل منهم لآدما

إليهم لوى علم الشريعة لائذاً ... بهم والتقى فيهم أناخَ وخيّما

ولا مثلُ مأثور الكمال محمد ... هدى أوْ جداً أو عزة وتكرما

إمامٌ به الفتيا أطيلَ عمادها ... وأرسيَ حتى جاوز الأرض والسما

حبا الدينَ إفضالاً به الله منعم ... به حرم الإسلام قد عز واحتمى

بأسرع من لبّى وأدفع من حمى ... وأنفعِ من أسدى وأرفع من سما

وأعظم مقداراً وأقدم مفخراً ... وأفخم آثاراً وأعلى وأعلما

تذكرك النعمان غرُّ علومه ... وآدابه تنسي (الوليد ومسلما)

تقيّ لو ألقى جملة من عظاته ... على كافر من حينه عاد مسلما

ولوْ ميت جهلٍ أمّهُ لأعاده ... حياة وما أمَّ المسيحَ ابن مريما

إليك تنهى التحقيق في العلم وانتمى ... إلى كل فضل من إلى علمك انتمى

أرى كل ما ألَّفت معتنياً به ... من الناس من عانى العلوم وعلما

ولو كان مسبوقاً لما افترقوا له ... وكم زائدٍ علماً على من تقدما

فخلّدتَ من غيث من العلم نافع ... متى خص غيث عم أوضن أنعما

ولا زلت في كل المعاني نهايةً ... وغايةُ من عاداك حطُّ إذا سما

<<  <   >  >>