مفتي الأنام وشيخها ورئيسها ... نهر العلوم وروضها المعطار
مجلي غوامض ما يخوض عبابها ... للفكر إدراك ولا إشعار
مستحضر أغناه عن تكريرها ... نظرُ الطروس لكلها استحضار
وكأنّ فكره في الذكاء موقّد ... وكأنّ كفّهُ للعطاء بحار
تروي أنامله الأنامَ بجودها ... فكأنّما هي ديمةٌ مدرار
لابن الحسين محاسنٌ ومحمدٌ ... شغفت بها الأسماع والأبصار
ذا المجدُ فيه وفي أبيه وراثةٌ ... إذ هو منه ومن أبيه شعار
يا ابن الألى ملأ البسيطة مجدهم ... وتعطرت بنسيمه الأقطار
مثل البدور تدفقاً ... وتألقوا كالشمس ثم أناروا
ركبوا العزائم للمكارم والعلا ... فلهم على صهواتها استقرار
نفحت بهم وبذكرهم حلل الثنا ... فها بهم ولهم بها أعطار
هم خير من لاقوا وأحمد خيرهم ... وأبوه فهو من الخيار خيار
حزتم بني البارودي كل فضيلة ... فزتمْ فخصّكمُ بها المقدار
وأرى العلا داراً لها أبناؤكم ... وبنوهم تأوي لتلك الدار
رفعت بكمْ رتبُ الكمال فأصبحتْ ... أمماً وفيها أنتمُ الأقمار
في القرب منكمْ كيمياْء سعادة ... في ضمنها تتيسّرُ الأوطار
لم يعتصم بكمُ فقير بائس ... إلا وسار له غنى ويسار
أو ينتسبْ لكم وضيعٌ خامل ... إلا سمتْ لسموه الأبصار
فخراً أبا العباس إنك سيد ... شهد الأنام بها ولا إنكار
ولئن اقرّ بها العداة ففضلكم ... يأبى لكم أن تكفر الكفار
أضمرتُ فيك مودة أولى بها ... وأحقُّ من إضمارها الإضمار
أخفيتها حذر الوشاة فمذ طما ... تيارها ظهرت وغاب حذار
حباً أكون من الشهود وصدقه ... بشهود حبك ما لهم أعذار
وجعلت يمنك في يمين توجّهي ... ورجوت أن يرقى بها السيار
أربٌ يبيت سواك يملكني به ... فالحر تملك رقّه الأحرار
أنت الذي أحييت آثار الجدا ... والفضل منك بدا له إيثار
وعلمتُ ما لم يدر ما طرق العلا ... فغدا ودرهم فضله دينار
وجرى على آثار سبقك كم جرى ... بطل فعاقه عن مداك عثار
هيهات لو ركب الرياح سوابقٌ ... ما شق إثرك للحاق غبار
بك خصّصَ التمييزُ لما ميّزتْ ... أقدارَ أربابِ العلا الأقدار
فغدوت أنت كبير أهل الفضل ال ... كبراء إن نسبوا إليك صغار
ما كل من نار الولاية محرزا ... شرفاً ولا كلُّ إليه يشار
بعلاك يختتم الكمال وإنّما ... بمديحكم تتنقل الأخبار
وقد أقام صاحب الترجمة على وجاهته ووظائفه واحترام، يباشر الوظائف على أحسن الوجوه ثم استأذن الأمير حمودة باشا في التوجه إلى حج بيت الله الحرام سنة ١١٢٧ سبع وعشرين ومائتين وألف بقصيدة وهي قوله: [الطويل]
إليك رسولَ الله شوقي يسنّدُ ... وفرطُ غرامي فيك ما خلتُ ينفذُ
وإن فؤادي في هواك متيم ... وجفني قريح ليس يرقى فيرقد
فسل عن غرامي فيك مرقاة منبري ... يصدّقها المحراب والدمعُ يشهد
وسل مربعي من بعد ذاك ومضجعي ... وما كنت ألقى في هواك وأسهد
فقربك مطلوبي ووصلك بغيتي ... وإن زاد شوقي فيك لا شك أفقدُ
فعد لي بوصل إنّ بعدي مضت به ... صنونُ وإني في غراميَ مبعدُ
فيا ليتني إذ كنت فيها مواصلاً ... حبيبي وفي محرابه كنت أسجد
يجيب مناجاتي ويرحم عبرتي ... ويؤنسني قرباً لأنّي مفرد
وأسمعه القرآن ذلك وحيه ... وأتلو عليه ما تلا وأردد
وأنشده مدحاً لحسان مسنداً ... [فذو العرش محمود وهذا محمد]
وبت أناجي الله ربي وإنني ... لأشكره وصلي وإني لأحمد
وفزت بقربي منه بالأمن والمنى ... وساعدني دهري وما كاد يسعد
فشط مزاري بعد ذاك وليتني ... بلحد بذاك الترب فيه موسّدُ
فلله ما ألقى من الوجد كلما ... ركاب له زفت وإني لمقعد
وإن فصلت عير بقصد ديارهم ... وجدت له ريحاً وقالوا مفنّد
سلام على تلك الديار ومن بها ... ففيها ديار للحبيب ومعبد
سلام على محراب مسجد وحيه ... ومن قام فيه ليله يتهجّد