وأرسل إلى الدولة العثمانية في طلب تجديد القزمان العالي الشأن في حفظ الإمارة وإجرائها على نسق الإمارات الممتازة في الدولة العلية لإحكام الوصلة وربط العلاقة بينه وبين الدولة وحفظ الأمن على البلاد فجددت له الدولة العثمانية فَرمانها العالي، وأرسلت له سيفاً مع النيشان المجيدي صحبة خير الدين، واحتفل لذلك موكب تلاوة الفرمان، ولبس النيشان صبيحة خاص شهر رمضان المعظم سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، وتزينت لذلك تونس وسائر بلدان لمملكة زينة لم يسبق لها نظير استمرت بقية شهر رمضان، وأكثر شهر شوال.
ولما وقعت الحرب للترك مع الروس فتح دار الباي بتونس وأذن بجمع إعانة تطوعية فصدر الأمر العلي بذلك سادس وجب سنة ثلاث وتسعين. ودفع هو ورجال دولته ما نشط الأهالي فأقبلت الأمة من كل فج، واجتمعت من ذلك إعانة كافية مالية بلغت إلى ٥٩٠٠٤.٦٦٣.٤٣٣.٠٩ ريالات تونسية فضلاً أرسلها للدولة العثمانية، ثم جمع لها من الخيل والبغال التي تطوع بها الأعيان مقداراً معتبراً وأرسله إعانة دولة الإسلام.
وهو الذي أقام خزنة مكاتيب الدولة ورسومها وغير ذلك على وجه بديع يسهل معه تناول أي بطاقة من علائق الدولة في طرفة عين وقد حسن كثيراً من الأعمال، فغير نوع السكة التي كانت جلبت خلل الصرف، وضرب سكة من النحاس بقيمة لا تقبل التغيير ذات ثمن وخروبة ونصفها، فدارت السكة المذكورة صبيحة يوم الخميس الثالث عشر من جمادى الأولى لسنة تسع وثمانين.
وفتح دار السكة لقبول السكة القديمة بقيمتها وتعويضها بالسكة الجديدة وعند ذلك طبع كثيراً من سكة الفضة بقيمة أربعة ريالات وريالين وريال ونصف ريال، ثم لما تكاثر نوع السكة المذكورة في البلاد أراد الصرافون أن يعيدوا فتنة الصرف فتدارك الأمر وأسقط من النوع الذي قيمته أربعة ريالات ثلاثة أرباع الريال. وهكذا جرى الإسقاط في بقية الأنواع على تلك النسبة وصدر الأمر بذلك في الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة خمس وتسعين.
وقد أقام كثيراً من المجالس والقوانين لضبط فروع الإدارات وتحسينها، فأقام مجلس النظافة تحت رئاسة رئيس المجلس البلدي الشريف محمد العربي زروق للاعتناء بتنظيف البلاد ورفع المزابل في كل يوم على مقتضى قانون تألف من تسعة عشر فصلاً صدر بتاريخ الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة تسع وثمانين، ووظف على كل محل قدراً معيناً يدفع بعد كل ثلاثة أشهر بعد أن وظف أداء الخروبة على قيمة كراء الأملاك من الديار وغيرها من الرباعات كخروبة الأكرية. وأصدر بذلك قانوناً مؤرخاً بالتاسع والعشرين من ربيع الأول سنة تسعين، ذلك بعد أن عمم تضريس البلاد من غالب جهاتها وأزال أوحالها، وحسنها تحسيناً يشهد له بغاية حبه لها، وخرج بالتحسين إلى ما حول الحاضرة فحسن طريق باردو من باب الخضراء وباب سيدي عبد السلام وباب سعدون وباب حومة العلوج وباب سيدي عبد الله الشريف وضرس جميع تلك المسالك وحفها بالشجر عن اليمين وعن الشمال وسوى البطحاء التي أمام باردو وزانها بالفوارة الضخمة وجدد باب باردو، وكذلك مهد طريق حمام الأنف من باب عليوة بعد أن بنى هو ذلك الباب. وأدار على مقبرة الزلاج سوراً لحمايتها من الدواب. وجعل قشلة العطارين سجناً مقسماً إلى فروع كثيرة لمجرمي الأهالي والأجانب، وجعل له حفظة لتنظيفه، وأجرى عليه مونة كافية بعد أن كانت المساجين يسجنون في دهليز من العذاب وربما مات من تطول إقامته فيه، وجعل له قانوناً يشتمل على أربعة وعشرين فصلاً مؤرخاً بالتاسع عضو من ربيع الأول سنة إحدى وتسعين. وأقام مجلساً للتحفظ ركبه من الأهالي والأجانب الأطباء وغيرهم للنظر في الواردات البحرية وصحة أهلها يجري عمله على مقتضى قانون مؤلف من عشرين فصلاً بتاريخ الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين.
وأقام في هذا التاريخ مجلساً مختلطاً أعضاؤه مركبون من سائر الدول التي لها رعايا كثيرة في البلاد تحت رئاسة أحد الأهالي للحكم في النوازل المالية التي بين الأجانب والأهالي. وأول رئيس انتسب عليه حسونة بن أحمد الوزير الأندلسي أمين الشواشية.