وأبطل وظيفة الحسبة التي كانت تجتمع لنظرها جميع أوقاف المملكة لصرف فواضلها لأرباب الخطط الشرعية فوزع مهمات أوقاف المملكة على المشايخ أهل المجلس الشرير كل واحد يقوم بشعائر الأوقاف التي لنظره ويستقل بفاضله واستمروا على ذلك أكثر من ثلاث سنين غير أن دخل الأوقاف ضعف وتناقصت جراية الدولة عن المدرسين، فاستدرك الحالة بقانون علمي مؤلف من سبعة وستين فصلاً مؤرخ بالثامن والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة اثنتين وتسعين، قد اجتمع على تأليفه أعيان علماء العصر، فكان أكمل أنموذج يجري عليه نظام التعليم بجامع الزيتونة مع تعيين مائة كتاب وستة عشر كتاباً منتخبة من ثلاثة وعشرين فناً تدرّس بجامع الزيتونة. وحفظ نظارة العلم بمستشار من الدولة، وأول من تقلد هاته النظارة حسين المكلف بالمعارف العمومية وجعل له نائبين من أعيان المدرسين يباشران النظر على أعمال الجامع كل يوم. وعين الامتحان العام لسائر طبقات التلامذة في شهر ماية الأعجمي من كل سنة، وقرىء منشور ذلك بجامع الزيتونة أول المحرم من سنة اثنتين وتسعين، فتكاثرت الدروس والمدرسون، وأقبل الطلبة على العلم حتى بلغ عدد الدروس التي أقرئت بجامع الزيتونة في سنة أربع وتسعين إلى أحد وعشرين ألف درس ومائتين ودرسين من الكتب التي اقتضاها الترتيب. وبلغ الآن عدد المتصدرين للإقراء تطوعاً إلى ثمانية وخمسين عالماً زيادة على الذين يستحقون الجرايات المعينة وفد منح المتأهلين للإقراء بإجازة الامتحان التقديم لخطة العدالة على مقتضى الإلحاق الصادر بتاريخ الثاني والعشرين من صفر الخير سنة سبع وتسعين، وأصدر بذلك منشوراً قرىء بجامع الزيتونة بعد صلاة الظهر من يوم الأربعاء الثالث والعشرين من الشهر المذكور ترغيباً في العلم، وقد بلغ عدد التلامذة بالجامع الأعظم إلى أكثر من سبعمائة تلميذ، وحسبك بذلك مزية لهاته الدولة.
وقد جمع جميع أوقاف الحاضرة وسائر بلدان المملكة لنظارة جمعية تجعل من تحت تصرفها وكلاء يقومون بلوازم شعائر الأوقاف، وما يفضل من ذلك يدخل لإدارة الجمعية تدفع منه مرتباً للمشايخ أهل المجلس الشرعي بالحاضرة قدره ثمانية آلاف ريال في السنة لكل واحد من شيخي الإسلام وستة آلاف لكل واحد من بقية الشيوخ وثماني عشرة مائة ريال لكل واحد من قضاة حواضر المملكة و ١٤٤٠ ريالاً لكل واحد من مفتيي بلدان المملكة، و ١٠٨٠ لبقية قضاة البلدان، ويدفع منه من مرتب المدرسين المقدار المعين على الدولة. وأصدر بذلك ترتيب أعمال الجمعية المشتمل على أربعة وعشرين فصلاً المؤرخ بالمحرم الحرام سنة إحدى وتسعين فأخذت الجمعية في ضبط الأوقاف ومداخيلها وأموال ما عوض منها مما جرى تأمينه تحت يد أفراد معتبرين البالغ قدر ذلك إلى ما يقرب من الثلاثة الملايين لتستخلص منه ما يمكن خلاصه وتعاوض به أوقافاً واجتمعت الأوقاف أحسن اجتماع بلغت به مداخيلها من ثمن الغلال والأكرية والإنزالات إلى ٠١.٦٧٨.٠١٦ ريالات فضة في سنة خمس وتسكين وبذلك وقع استدراك ما أتى عليه الخراب من الموقوف والموقوف عليه في الحاضرة وسائر بلدان المملكة. وأقيمت شعائر جميعها بإجراء لوازمهما مع مرتبات أربابها السنوية البالغ لازم ذلك إلى ما يقرب هن الستمائة ألف ريال فضة. وأصلحت جميع جوامع الخطب بالحاضرة، وفتح باب جامع القصبة من السور في رمضان المعظم سنة إحدى وتسعين فانتفع به عموم المسلمين. وأحييت المساجد والزوايا حتى بلغ الآن عدد القائم من مساجد الحاضرة إلى مائتين وخمسين مسجداً أغلبها وقع فيه إصلاح له بال فضلاً عما أعيد أصل بنائه منها وأصلحت جميع المدارس وأحييت كثير من الأوقاف بعد أن لم تكن منتفعاً بها.