أما بعد سيدي فلولا أن السلام تحية الإسلام، لكان مسبوقاً بتقبيل الأيدي ولثم ترب الأقدام، فأنشىْ سلاماً أرقّ من النسيم وألذ من مناولة النعيم، يجول حول ذلك الحمى الدائم عزه واحترامه، ويبث اشتياق صبٍّ نكدت بالبعاد لياليه وأيامه، ويليه تقبيل تلك الراحة الشريفة، ولثم الترب من تلك الحضرة المنيفة. أما السؤال عن جميع الأحوال، فهو غاية المطلوب وقصد الآمال، لا أخلف الله فيها عوائده الحسان لا زالت جارية على وفق المراد بجاه خلاصة ولد عدنان. فأما حال مضناكم المتيم بالهجر والبعاد، فلا يخفاك ما فعل به الشوق والنكاد: [الطويل]
فما حالُ عين غاب عنها ضياؤها ... وما حال قلب بعدما فارق الصدرا
أسأل مآل ذوي الدعوات أن يعجل بالملاقاة في أحسن الأوقات، بجاه النبي والآل والصحب والزوجات، ويبلغك السلام الأتم من جميع الأحبّة خصوصاً من الشيخ أخي سيدي محمد، والأخ الودود سيدي الحاج الطيب أبي نمرة، ودمتم في العز والأمان، والسلام من خديم جنابكم الرفيع عبيدكم محمد الطاهر بن عاشور لطف الله بالجميع.
وأجابه عن ذلك الجد بمكتوب قال في طالعته: [الطويل]
من الشرق لاحت درة ولآلي ... تقبلها كل الورى بجمالِ
فأصبح من بالغرب في حلل البها ... يتيه بفخرٍ شامخٍ وجمالِ
وعزت على لثم الشفاه بفضلها ... فآمالنا ترنوا بغير ملال
سمت في العلا فخراً على كل فاضل ... شذاها ومسراها معا بمجال
أشارت بأن الصب أضحى متيماً ... يروم وصالاً فانثنى بمطال
فقد حان في أضعاف ما نال صبركم ... من الشوق وانزاح السلو ببالي
ولم يُبقِ مني السقم غيرَ حشاشة ... يروح بشبح مضنيٍ ومقال
وقالت مراسيل التوحش زمرة ... تعالي أقاسمك الهموم تعالي
عسى من قضى بالبعد يجمع شملنا ... ويبدلُ هجرانا بطيب وصال
وراجعه الشيخ الطاهر بن عاشور مكاتباً بما نصه: [الكامل]
رجعتْ لسكنى القلب روح حياتي ... مذ حلّ كتبك في فناء جهات
وارتاح مضنى طال ما سه الدجى ... من فرْط شوق موقد الجمرات
فنشرته من بعد لثم ختامه ... وتمرغِ الخدين والوجنات
ورأيت من علياه عِقدَ جواهرٍ ... لم تحوهِ الأبحار في الصدَّفات
فنظامهُ مثل انتظام لآليْ ... والنثر مثل تناثر الزهرات
كا لنَدِّ بلْ كالمسك ما قد فاح من ... أرجاء تلك الأسطر البهياتِ
يا مهدياً نحوي رسائل ودّهِ ... أفرطت في الاحسان والصدقات
وإليك روحي مع رسالة فكرتي ... خذها مع التشريف والتحيات
من محب سقاه الهوى كاسات الهوى والهجران، وأنحى على الإقامة بساحة فؤاده ركاب الشوق والأحزان، فغدا بين الورى في حيرة وهيام، وما حال من استبدل طيبَ الكلام ببلاغات الكلام، إلى من كسته المحبة جلابيت العز والكرامة وألبسته المودة تاج المفاخر والفخار، فهو بدر سماء المحبة اللامع، وفريدة عقد المودة التي شعاعها ساطع، مُطلع الأبيات الشعرية ومرجع النكات الألمعية ومنبع اللطائف الأدبية والحائز فصاحة اللسانين بلا ريب المخصوص بأعلا رتب البلاغة ممن عنده مفاتيح الغيبى حبيبنا الأول، وأخينا الأجمل، وعلامة وقتنا الأفضل، أبي عبد الله سيدي محمد السنوني لا زالت المفاخر حائمة حول حماه الكريم، محفوفاً بحفظ يس والقرآن الحكيم، أزكى السلام، وأنمى التحية والإكرام، فقد ورد علينا ما شفى القلوب من وبالهأن وهدى الروح بمركزها بعد ضلالهأن كتابك الزكي بهواؤه، اللامع سناؤه، فتشرف منه العبد ببديع نظامه، وقبل الأرض تكريماً إذ كان وسمك الشريف مركز ختامه، تالله لقد علمت به علم يقين، لا علم تخمين، ما فعل القميص بيوسف إذ جاءه البشير فالحمد لله حمداً يوافي سلاماتكم والشكر له شكراً نتأهل به للفضل بنعمة ملاقاتكم إذ هي غاية المرام، ولو حصل لنا لكنا في غاية الإنعام، وما ذكرت لنا في الجواب فهمناه، فأما إلخ. ثم قال: هذا ولما عجزت عن مقابلة ما أتاني من الجواب، وقعدت عن الإتيان بمثل تلك الحباب، استعنت على ذلك الشان، بأعز الإخوان، وتحفه نجباء الزمان، أخينا فلان، ونطلب من فضلك، لا تزيد شوقاً بالبعاد، فإن اليوم عندنا بمنزلة يوم التناد والسلام من عبدكم محمد ةالطاهر بن عاشور.