للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأجابه الجد عن ذلك بمكتوب كتبَ في طالعته قوله: [الكامل]

لعلا مقامك وانتعاش حياتي ... فرح تراكم من جميع جهاتي

فسعدت حين انلتني ببطاقة ... محفوفة بلطائف الزهرات

وظللت من فرحي بها لم أدرِ هل ... ريح السرور أم اكتساب حياثني

فوضعتها لصقَ الجفونِ ليشتفي ... ألمُ البعاد وتنجلي حسراتي

قبلتها سبعاً وطفت بكعبها ... وجعلتها لي النثر بالميقات

وأخذت من حصباء درّ رياضها ... ما قدْ رميت بموقع الجمرات

يا أيها العلم الذي في طيه ... نشر العلوم ومدفع الأزمات

قل للمتيم بعد تقبيل الثرى ... بتواضع وتمرغ الوجنات

ما كان إذ أعرضتُ عنك لحادث ... يصبي الفؤاد وينجلي بثبات

كلاى وإني فيه صب مغرمٌ ... متشخِّصٌ لصفاته البهيات

ولكم بذكر علاه ما هب الصبا ... في الأفق والغدوات والعيشات

ذاك الذي أعلى يراعي برهة ... ما صح منه لساقط العثرات

وعليكمُ منّي سلام طيب ... يغشاكم بلطائف النسمات

وكان موثقأن ألمعيأن نحريراً أديبأن فاضلأن عالي الهمة، حسن المحاضرة، وجيهأن مع سعة ذات يده، أحدث عدة بناءات بتونس كلها حول العزافين قرب سوق النحاس، ومنها حومة السنوسي هنالك فإنها سميت باسمه. وسافر مع أمير الأمراء فرحات قائد الجبيرة، وبه مبادي مرض فاشتد به فرجع واقام على فراش مرضه بمرض الاستسقاء، وتوفي قرب زوال يوم الجمعة خامس صفر الخير سنة ١٢٧٩ تسع وسبعين ومائتين وألف، عليه رحمة الله.

وأما والدي فقد ولد سنة تسع وثلاثين أو سنة أربعين ومائتين وألف، ونشأ بين يدي جده، وحفظ القرآن العظيم وألفية ابن مالك، وقرأ العلم أولاً على جده ليلاً فقرأ عليه بعض كتب المبادي مثل الأجرومية والقطر، ثم قرأ بجامع الزيتونة على الشيخ أحمد عاشور والشيخ محمد النيفر والشيخ محمد بن ملوكة والشيخ علي العفيف وغيرهم.

وتقدم للإشهاد في التاسع من ربيع الاول سنة ١٢٥٥ خمس وخمسين ومائتين وألف، فاشتغل بالتوثيق، وعاقه عائقُهُ عن خدمة العلم على الوجه الأكمل، الإ أن اشتغاله بالتوثيق حصل به على ملكة في النوازل الفقهية، سيما وقد وُلِع بحفظ نظم جده حتى كان عارفاً بجميع مسائله. ثم اشتغل بالتجارة وتوسَع فيها وحج بيت الله الحرام عام ١٢٦٩ تسعة وستين ومائتين وألف، وترافق لذلك مع العَالِمَيْن الشيخ الحاج عبد الله الدراجي والشيخ الحاج صالح النيفر، ورجع إلى تجارته. ثم لاَزَمَ الإشهاد بعد وفاة والده، وشهد على أوقاف المنعمة عزيزة عثمانة، وسافر للساحل في بيع غلة الوقف أواخر سنة ست وثمانين ومائتين وألف. وعند إيابه هنأني العالم الماجد النحرير الشيخ سيدي محمد ابن الخوجة بقوله: [الكامل]

طربت يراعي للقدوم فبادَرَتْ ... تأتي بكل غريبة الإنشاءِ

علماً بِأَنْك أميرُ كل يراعة ... فلذا تُوالي خدمة بوفاءِ

هذا اليراع يهزُ عطف مسرة ... وهو الجماد فكيف بالأحياء

لاسيما القُرَبَا وأهل مودة ... فقد ارتَوَوْا من عذب راح هناء

فهمُ سكارى راح بشر عتقت ... يتمايلون مميل ذي الِإغفاء

ولديهمُ يوم اللقاء كأنَه ... عيدٌ بَلى أسنى بدون مِراء

لا زال ماءُ البشر دوماً وِرْدَهُم ... يتمتعون به بلا أقذاء

وشهاب افق العلم فيهم نيرٌ ... لايعرف التنكيس في الإخفاء

ذاك الحبيب الماجد الفذ الذي ... سبق الفحول على زمان فتاء

حيث البلاغة كلّها مجموعةٌ ... في شعره السّامي على الزهراء

خذها أبا عبد الإله ذميمة ... خرجت على كره من استحياء

خجلَتْ وحُقّ لهل لأجل شهودها ... بدرَ السماء بمهجة شوهاء

لكنها قدمت لأنك سيد ... ذو شيمة تقضي على العوراء

من معشرٍ سَادُوا على كل الورى ... بديانة وفضائلٍ وعلاء

لا زال طير الحمد يبدي ذكرهم ... عند الملا في دوحة العلياء

<<  <   >  >>