أمّا بعد فإن من تعلّق بالنبي عليه الصلاة والسلام واتصّل بحبله سببه، وحرّي أن يحرز القصبات ويركب سفينة النجاة ولو كان من أولاد البنات على ما يرشد بارئ البرية وواجب العطيّة بقوله:"ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذريّة" واسم الذريّة يتناول أولاً البنات كما نقل عن الحنفية والمالكية في باب الوقف والوصية وآل بيته عليه الصلاة والسلام هم علي وفاطمة وأبناؤهما رضوان الله عليهم، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت خرج النبي عليه الصلاة والسلام ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت فاطمة فأدخلهأن ثم جاء علي فأدخله، ثم قال:"يوجد آية"، وللترمذي وقال حسن صحيح عن أم سلمة أنّ النبي عليه الصلاة والسلام جللّ على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء، وقال اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً قالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله قال: إنّك على خير، وفي رواية فجئت لأدخل معهم قال فكأنّك وأنت على خير أنت من أزواج النبي. وفي قوله إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت الآية دليل على اعتنائه تعالى بهم وإشارة إلى عليّ قدرهم حيث أنزلها في حقّهم لا تشمل غيرهم معهم كما يستفاد ذلك مما فعل عليه الصلاة والسلام بهم حيث سوى بينه وبينهم في دخوله الكساء معهم فمن اقترف من ذريّته عليه الصلاة والسلام شيئاً من الوزر يرجى أن يتدارك بسبب التطهير إمّا بإلهام المثوبات أو بأنواع المصائب ونحوها من المكفرات كعدم إنالتهم ما ناله غيرهم من الحظوظ الدنياويات، وآخرها الشفاعات النبويات. وناهيك في علو قدرهم سلام الله عليهم، فقد نقل عن جماعة من المعبرين عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى "يوجد آية" فياسين ومحمد مثل يعقوب وإسرائيل، ومن اختصار الزاهرات الوردية بالفتاوي الأجهورية ما نص: وسئل عن الشريف أفضل أم العالم فأجاب الشريف أفضل من حيث النسب ولمذا كانوا عنده بهذه المكانة أوجب على كل مسلم مبتهم وموالاتهم وحرم عليه إهانتهم وإذايتهم، فالمخلص في المحبة لجدّهم يعفو عنهم إن آذوه معاملة له كما حكي عن إمام دار الهجرة مالك بن انس رضي الله عنه لما ضربه جعفر بن سليمان العباسي وكان أميراً بالمدينة ونال منه ما نال ظلّ مغشياً عليه فلما أفاق قال أشدكم عليّ أنّي جعلت ضاربي في حل فسئل عن ذلك فقال خفت أن أموت وألقى النبي عليه الصلاة والسلام ما سمي ما أن يعذب بعض آله بسببي. وبالحقيقة لا يكون من المؤمنين من لم يجد رسول الله وذريّته إليه من نفسه أحب وأعز عليه من نفسه وأهله وولده والناس أجمعين. ومن علامة محبته عليه الصلاة والسلام محبة ذريّته وإكرامهم والإغضاء عن انتقادهم، فما انتقد ذرية محمد محب محمد قطّ، فهم قوم شرّف الله أخلاقهم, فلا تغلب عليها أفعالهم كغيرهم، فمن ترى فيه المخالفة من أهل بيته عليه الصلاة والسلام فإنّما نبغض أفعاله فقط، وأما ذاته فلا نبغض لما صح من قوله عليه الصلاة والسلام:"فاطمة بضعة منّي" ومعلوم أن أولادها بضعة منها فيكون بواسطة بضعة منه عليه الصلاة والسلام، ألا ترى قول عمر لعلي رضي الله عنهما في خطبته لأم كلثوم بنت فاطمة إنّي أحب أن يكون عندي عضو من أعضاء رسول الله عليه الصلاة والسلام فكان من يشاهد اليوم من ولدها فهو بضعة من تلك البضعة ولو تعددت الوسائط. قال الشيخ محي الدين بن العربي: لا ينبغي لمسلم أن يذمهم بما وقع منهم أصلاً لأنّ الله طهرهم وليعلم الذّامّ لهم ان ذلك راجع إليه ولو ظلموه، فذلك الظلم هو في زعمه ظلم لا في نفس الأمر وإن حكم عليه الشرع بأدائه، بل حكم ظلمهم إيان في نفس الأمر يشبه إجراء المقادير على العبد في نفسه وماله وما يحبه بالأمور المهلكة كأن يصاب في نفسه أو يحرق ماله أو يموت بعض أحبابه، وهذا كله ممّا لا يوافق غرضه، ولكن لا يجوز له أن يذّم قدر الله وقضاءه، بل ينبغي له أن يقابل ذلك بالشكر فإن نزل عن هذه المرتبة فبالرضى والتسليم، فإن نزل عن هذه المرتبة فبالصبر فإن في طي ذلك نعما لهذا المصاب هكذا ينبغي للمسلم أن يقابل جميع ما يطرأ عليه من آل البيت في ماله ونفسه وأهله، فعفونا عنهم فيما أصابوه منّا تكون لنابه عند الله اليد العظمى والمكانة الزلفى فقد طلبت منا الموّدة لهم، ومعناها