وإن توجّه الخاطر الشريف بالسؤال عن أحوال هذا العبد الضعيف، الذي أقامه مولاه في مقام الجمال وربما يعتريه في بعض أوانه الجلال، فالحمد على كل حال جلوتي في خلوتي، وآفتي معرفتي وليتني لم أكن لأعرف فالظهور يقصم الظهور، والشهرة آفة العارف، وربما عجلت له طيبات المعارف، وإذا كان الواهب المنعم بالفيض هو الذي أراد من عبده ما أراد فلا ضير أن يجمع لمن شاء في لذّة النشأتين على المراد نعم يا مولانا أدام الله فضلك وعين غيث برك ثرّة فض لك قد عاد محبكم الحاج سيدي محمد بن كوجك علي وأخوه سيدي محمود القاضي أبو العباس صادرين من أرض الحجاز الناهلين من مكارم القبول العابرين على قنطرة الحقيقة ومجاز المجاز وقد ظهرت عليهم إمارات الإقبال، وعلامات الاتصال، وسكنوا بمصرنا ريثما قضوا مصالحهم وفرغوا من أشغالهم وقد صار لهم نبأ عظيم ارتباط، وحبّ خالص تعلق بالنياط ولا برحوا يترددون إلينا ويعولون في المذاكرة علينأن إلى أن إمتلأ لهم الوطاب وجنوا الثمار المعلومة من تلك الأغصن الرطاب، وعادت حقائبهم مملّوه وركائبهم مجلوه وحصل سيدي محمد المشار إليه في رعاه الله تعالى بعض آثارانا وإن كان بمنزلة الياسمين لا يساوي جمعة فمنها شرح حزب الشاذلي والجزء الأوّل من اآمالي الشيخونية من تجزئة عشرة التي فيها الوسائل ومن اعظمها الجواهر المنيفة في أصول أدلّة مذهب أبي حنيفة وفي الحقيقة كان هو الباعث الأعظم على تأليفه وتهذيبه على هذا النمط القريب فكان إتمامه في مدّة أربعة أشهر وهو غريب في بابه، عقيلة تتبرج للخطّاب في أعتابه فتحت فيه باب الجتهاد، وعلوت بذروة الحفّاظ والنقاد، ولا بأس أن يطلع سيدنا عليه وعلى غيره فما منكم شيء يخبأ وأنتم أهل الفضل تسترون عن محبكم العوار، وتقيلون له العثار، ومثلي معذور، وفي قريحتي القصور، وحالي عليكم غير مستور، وربّما أخبرتم عن عبض ما كنت عليه في المبادي، حين قدمت مصر وأنا أشبه الناس بأهل البوادي، وجررت لسان الغفلات، وجريت طلقاً مع الشهوات، إلى أن كان ما كان وحصلت عناية المنان، وجذبت يدي من العنان، فانتبهت من السكرة، وقد علتني الفكرة، فلم أجد معي إلاّ ما كنت حصلته سابقاً في أيام التحصيل، ولم ألحق ان ألحق بذلك السابق شيئاً من اللواحق، على حسب التتميم والتكميل فهذه قصتي وأنت طبيبي وقد أبرزت لك حالي يا حبيبي، فإن وجدتم شيئاً في شرح الإحياء أو غيره من مؤلفاتنا فاقبلوا عذري واستروا عواري، ومن أخبره عن مخبأ حاله فما قصّر، ومن تجليلات الجلال ما أفصح عنه هذا البيت:[الخفيف]
كنت مستأنساً إلى كل شخص ... لفأنا اليوم نافر من خيالي