وبعد وفاة ابن عرفة ولي عوضه إماماً وخطيباً ومفتياً بجامع الزيتونة بعد صلاة الجمعة تلميذه حافظ المذهب قاضي الجماعة (الشيخ أبو مهدي عيسى الغبريني) قال الشيخ عبد الواحد الغرياني: لما ولي شيخنا القاضي عيسى الغبريني إمامة جامع الزيتونة سألني هل عندك علم في مسند النقارة (طبلة صغيرة ينقر عليها) التي تهز بدويْرة الجامع إعلاماً بإقامة الصلاة، فأخبرته: أن أبي حدثني عن شيخه عبد الله بن عبد البر أنه كان إذا أتى للجامع أكثر ما يجلس على إصطبل بإزاء باب الجنائز فإذا رآه المؤذن هنالك أقام الصلاة. وقليل جلوسه في الدويرة إلا لعذر أو رواية كتاب عليه بحيث ربما لا يعرف المؤذن هل هو هنالك أم لا فتجد خدمة الجامع يهزون تلك النقارة إعلاماً بحضوره على وجه الندرة، قال: فاستحسن إعلامي والتزم تركها. وكان يقول: لم أدرك وجهاً للخلاص في فعلها، واستعادها البرزلي اقتداءً بشيخه ابن عرفة. ثم اختلف حال الأيمة من بعده فمنهم من فعلها ومنهم من تركها كالإمام أبي الحسن اللحياني. اهـ.
قلت: أما اليوم فقد انقطع استعمالها ولم يبق من آثار الإعلام بحضور الإمام غير مناداة قيم الجامع عند باب الدويرة المسماة اليوم "مقصورة الإمام" قبل صلاة الظهر خاصة بقوله "الصلاة حضرت يرحمكم الله" فينادي بها المؤذنون عند أبواب الجامع وهو إعلام حسن. وقد توفي الإمام الغبريني في التاسع والعشرين من ربيع الثاني سنة خمس عشرة وثمانمائة ودفن بالزلاج.
٨ ثم وليها عوضه شيخ مدرسة ابن تافراجين الفقيه الحافظ (الشيخ أبو القاسم بن أحمد بن محمد البرزلي) فاجتمعت نجيده الإمامة والخطبة والفتيا بعد صلاة الجمعة بجامع الزيتونة، ولازم القيام بالخطط المذكورة مثل شيخه إلى أن بلغ من العمر إلى مائة وثلاث سنين. وكان يلقب شيخ الإسلام. وتوفي في الخامس عشر من ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة ودفن بالزلاج.
٩ وولي في الخطط المذكورة عوضه قاضي الجماعة (الشيخ أبو القاسم القسنطيني) وولي يومئذٍ الشيخ عمر القلشاني خطبة جامع التوفيق والفتيا به عوض قاضي الجماعة. وأما مدرسة ابن تافراجين فقد وليها بعد البرزلي الشيخ محمد بن عصفور وأقام القاضي القسنطيني على الخطط المذكورة مع خطة القضاء إلى أن ضرب بمغروس وهو على سجادته عند باب البهور بعد سلامه من صلاة الصبح يوم الأربعاء السابع عشر من صفر الخير سنة ست وأربعين وثمانمائة. وقتل ضاربه في الحين تحت صومعة الجامع، ورفع الشيخ إلى داره فكتب وصيته ومات في الليلة القابلة ودفن هت الغد بالزلاج.
١٠ وتقدم عوضه (الشيخ عمر بن محمد بن عبد الله القلشاني الباجي) شارح الطوالع ومختصر ابن الحاجب نولي خطة قضاء الجماعة وخطبة جامع الزيتونة والفتيا به بعد صلاة الجمعة. وأما إمامة الخمس فوليها الشيخ محمد بن عمر المسراتي القروي خطاب جامع القصبة. وتنقلت خطبة جامع التوفيق والفتيا به بعد صلاة الجامعة من الشيخ القلشاني إلى الشيخ محمد بن عقاب.
ولازم الشيخ عمر القلشاني القيام بالخطط المذكورة إلى أن بلغ من العمر أربعاً وسبعين سنة وأصيب بالوباء، وطال به مرضه المتصل بوفاته ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من شهر رمضان سنة سبع وأربعين وثمانمائة ودفن بالزلاج.
١١ وتقدم عوضه خطيباً بجامع الزيتونة (الشيخ محمد المسراتي) وأما فتيا الجامع وقضاء الجماعة فوليهما الشيخ محمد بن عقاب مع خطبة جامع القصبة.
وتوفي الشيخ محمد المسراتي يوم الجمعة الثامن عشر من شوال سنة خمسين وثمانمائة ودفن من الغد بالزلاج.
١٢ وتقدم عوضه للإمامة والخطبة قاضي الجماعة (الشيخ محمد بن محمد بن عقاب) فاجتمعت لديه الخطط الثلاث مع خطة القضاء. وتنقلت خطبة جامع القصبة مع التدريس بالمدرسة التوفيقية إلى الشيخ أحمد بن محمد القلشاني. وتوفي الإمام ابن عقاب بعد العشاء من ليلة الاثنين السابع عشر من جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وثمانمائة. ودفن من الغد بجبل المنار بجبانة سيدي أبي سعيد الباجي.
١٣