إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق ... أراه غباراً ثم قال له الحق
لكن فقولك في جوابك جهد المقل خير من عذر المخل، جلت في هذا الميدان وإن لم يكن لي فيه وابل فطل، وعذراً فالعبارات في جمع أوصافك قاصره، والبراعة في أذيال الحجل متعاثرة:[الكامل] خرس اللسان وكلَّ عن أوصافكم=ماذا أقول وأنتم من أنتم؟ هذا ولما كشفت لثام الكتاب، لاح لي أن أوجه لك في طي سلامنا العتاب، فيما نسبتني إليه من البخل عن مكاتيبك وهو من التوبيخ قبل صدور الذنب من المجرم، لكن بعد قراني معك في المكاتبة لم يبق أن يقال إلا الفضل للمتقدم، ويبلغك السلام من جميع إخوانك الذين أمرتني بتبليغ السلام إليهم وكلهم يشكون مثل شكواك من فراقهم من ألم فراقك عليهم خصوصاً من على إرعاء مودتك قد نشأن وتأخيري له مع اعتقادي تقدمه في المودة تغطية لأمر قد فشأن ويبين عن تعيين قول الشاعر بحبي في الحشا والابتهال، إلى من تناخ بساحة فضله ركائب الآمال، أن تهب شمول إقبالك على أحسن حال، والسلام.
ثم اتبع هذا ببطاقة تتضمن الاعتذار عن كاتبه، الذي هو من نفائس آدابه، وإن كان الغرض منها مجرد إعادة المكاتبة التي هي أشهى إلى الأسماع، من لذة الوصل بعد الامتناع، وعند ذلك حاولت بضعفي إجابة جنابه عما ضمنه بطاقته وكتابه، فكاتبته بما نصه: جناب الأبرع الشهم، الرامي من كرته بصائب السهم، بدر دروس المطول والعضد والمواقف، المتلفع في جميعها بأفخر الأردية والمطارف، النحرير الذي تعنو له الإفهام، ومحرز السبق في ميادين الدروس مع إخوانه الأعلام، صاحب الرأي الوقاد، والمعد بالخنصر مع الجهابذة لنقاد، الحميد الأخلاق المزرية بالاصطباح والاغتباق ذا العهد الوفي، والود الصفي، شقيق روحي التي أسلمتها إليه تسليمأن ووهبت مع الثناء كليمأن لأجد دون مكاتيبه رحيمأن مخلص الوداد، في القرب والبعاد، أخي وسيدي وعماد دروس وعضدي، الفاضل الزكي، الشيخ سيدي محمد جعيط لا زالت كتبه نزهة الألباب، وفرائد إنشاءاته تتقلد بها جميع الرقاب.
أما بعد إهداء تحية تحيي رميم الوداد، الذي كاد أن يحشره البعاد، وتريك من تقلب الأحشاء، ما لا تجده من الحشاء، تحملها إليك غلمان صداقة هذا الصديق، يطوفون عليكم منها بأكواب وأباريق، فقد طلع علي برق كتابك الذي أمطرت له عيني، وتلافى ما كنت عليه من حيني، فورد كما شاء الوداد، وأوردني من موارد مودتك أعذب الإيراد، ويا الله ما ألذّ منه تلك المطارحة والعتاب، اللذين أفضي لهما تعاطي كؤوس الآداب، وحيث إن لإسهاب في وصف ما تضمنه غير محتاج إليه، رأيت أن أنازلكم في ذلك الميدان الذي عوت عليه فأقول: حفظك الله كيف عمدت إلى عتاب المودة، الذي كنت أعهدك تحكم بأنه يفوق الرضاب وبرده، فسميته باسم التوبيخ، الذي هو أمر على الأسماع من الحنظل الرضيخ، ولم يكفك ذلك حتى حكمت بالفضل للمتقدم، وما في ذلك منك إشارة إلى شيء من التندم، وما لبثت أن أتبعت ذلك ببطاقة علم الله أنها وقعت مني موقعاً لا أكاد أصفه حيث رأيت الود منها قبل فتح ختامها قد أشيدت غرفه، وإذا هي تتضمن الاعتذار في خطابك، عما نسبته لكتابك، مع براءته مما وصفت، وأي باعث لك على ذلك إذا كنت على يقين بأن موارد المودة بيننا قد عذبت وصفت، فهذه حجة قد أقمتها عليك، وفوضت الحكم فيها إليك، ويا حبذا ما وشحت به كتابك من سلام الإخوان الذين مودتهم في سويداء الجنان غير أني لم أجد دليلاً على ما ادعبت في وصف من أخرته، وزعمت هنالك في سبب التأخير أمراً ذكرته، وإلا فأين رعاية مودته التي ذكرت أنه عليها قد نشأن وأظنه بعد سفرنا رحل هو أيضاً عن تلك الرعاية ومشى، وإن كان يزعم أنه ما زال قاطناً على ذلك العهد فماله لم يسمح بقلم في قرطاس يوجه إلي من بعد اللهم إلا أن يكون يرى الود مقصوراً على أيام الاجتماع، وإن كانت منزلته كنار على يفاع، فحينئذٍ نعذره فيما يرى، ولا نعود بالسؤال عما عسى أن يكون وقع منه وجرى، والسلام.
وكاتبني جناب الأخ الودود الفهامة الأبرع، والنحرير اليلمع، الفاضل الشيخ سيدي محمد بن الخوجة بما نصه: