الجناب الذي بمثل أخوته تبتهج النفس، وبنظير محاضرته يتمكن الأنس، جناب أعز إخواني، ومحل سري وإعلاني، شقيق روحي ومن أجد بمخاطبته راحي وروحي، واحد الزمن ابداً ولطفأن و [من أصبحت] معاطير الأثياب من شمائله قرقفاً صرفاً الندس الذي نار فكر تتوقد، وأنفاس حساده لا زالت تتصعد، الفذ الذي بز على حداثته الكهول، والندس الذي برز على القوارح في حلبتي المعقول والمنقول، طلاع أنجد المعارف، المتحلي من الكمالات العلمية والأدبية بأبهى المطارف، نخبة الأقران، بل صفوة الأعيان، فرد دوحة الأخيار العلماء، الفضاء العظماء ذاك أخي بل صديقي بل سيدي بل ساعدي، يل صارمي، الذي تصول به يدي، الشيخ الذي أحيا من مآثر بيته ما طال عليه العهد ولا أقول تنوسي الماجد الشيخ سيدي محمد السنوسي، لا زالت العين تنافس فيه الجنان، فتارة في سوادها وتارة في سواد الجلجلان.
أما بعد تحيات عطيرة تحملها أكف الاشتياق، وأطيب من حديث تلاق في مسامع العشاق، تحاكي شمائلكم عذوبة وطيباً وتهز من أريحيتكم غصناً رطيبأن فقد ورد كتابكم الكريم، ذو المحيا الوسيم، المتلقى بغاية المسرة، المتحف بنهاية المبرة، المؤدي لحقوق الصداقة، المنبئ أن الوداد فاتح لرعاية الإخوان أحداقه، المبشر بغاية الأمينة، من استقامة تلك الذات السنية، والإقامة فيا له من وافد، بل عائد بقلوب أضناها طول التباعد، دأبها استنشاق نسمات أخباركم، في وردكم إصداركم، عسى أن ترقى به جنونهأن وتكشف به شجونهأن وبهذا أصف لك ما بها من الشوق، وقد شب عمره من الطوق، ودوائر العبارات إنما تحيط بالمقدورات وحسي أن أتمثل عن الحال، بقول من قال:[الوافر]
كتبت ولو كتبت بقدر شوقي ... لأفنيت القراطس والمدادا
ولا غرو أن فر الاصطبار، لما شط المزار فإنه لم يجد أين يحل، والقلب معك يرتحل، ومن لي بمن يعيرني فؤاداً أكابد به النوى، ويكون زيارة لشخص الحبيب فأستريح من الجوى، وإن تعجبت مما فعل بنا البعد في أيام ليست بكثيرة لعدد، أقول منشداً البيت الشهير البراعة، أهذا ولم يمض للبين ساعة، فحجبتنا حينئذٍ قول المحب الصادق، وأنت بها الدري الحاذق.
[الطويل]
أأترك ليل ليس بيني وبينها ... سوى ساعة إني إذا لصبور
وليس هذا تعريضاً ةأيم الله لعدم استيفائك لحال الشوق بالتعزير، الذي يزعمه يراعك المشهود به بالتبريز في حلية التعبير، وإني نحن الموقنون بكثرة أشغالك، في حلك وترحالك، ومثلك ممن أنيطت به عظائم الأعمال، لا يقابل واجب رعايتها بالإهمال، وعظيم اشتياقك بملاقاة خاصة الإخوان، أغنت فيها ما قرره حكيم الشعراء في بيته الشهير الفصيح، هذا وإني لست ممن ينتحي بالتأنق في الفقرات، ويعجز بالتنميق في العبارات، مع علمي بأنها مهداة لمثلك، ومسوقة قطيراتها إلى سبلك، وزمن يعجب بإهداء التمر إلى هجر، والنور إلى القمر، ألقى بنفسه إلى الاستهزاء، وكان أن يعد من الحمقاء، وما هو إلا جواد يرى هزته خيلاء، وكاتبك فركض كيف شاء في حلبة مخاطبتك تطيره رياح الاشتياق، فيجمح كيف يريد في ميدان الأوراق، فلا تخل إذا طولت تطاولت، إذا لم أف بالحال ولا قاربت، وأما تبليغ تحياتك العطيرة، الإخوان المنزلين منزلة العشيرة، فقد أقرت سروراً ورنحت أعطافهم طرباً وحبورأن لاسيما الشيخ الأكبر الذي ما زرناه منذ فارقناه، إلا صبيحة ورود كتابك لتبيلغ خطابك، فسر غاية السرور بتلك الكتابة، ودعا دعوة الشيخ مستجابة، بتعجيل الإياب على أحسن الأحوال، حتى تنظم لعقدنا وسطاه فيبتهج بالكمال، والسلام من أخيكم الغريق في نسب الصداقة محمد بن أمد بن محمد بن الخوجة أخذ الله بيده آمين.
وحين ورد إلي هذا الكتاب بما اشتمل عليه من المحاسن التي انهمرت منها المودة بماء غير آسين، بادرت جنابه مجيباً بما نصه: