العيلم الذي جواهر آدابه تبهر الألباب، والفصيح الذي عذوبة ألفاظه تزري بمعسول الرضاب، دراكة المعقول والمنقول، البارع في استنتاج الفروع من الأصول، خلاصة الأعلام وغرة جبهة الأيام، وقرة أعين الكرام، سلالة العلماء الأفاضل، المبرز في الدروس العلمية على كل مناضل، مالك أزمة البيان، وملك أيمة اللسان، فصيح القلم إن نثر أو نظم، والعالم العلم، القاصي الهمم، وشقيق روحي ونفسي، وعماد أهل مودتي وأنسي، سيدي وسندي، ووسط عقد أهل بلدي، الأخ الذي لا أجد عبارة تبرهن عن منزلته من ودادي وقصارى قصوري أن أقول: إنه عين فؤادي العمدة الشيخ سيدي محمد بن الخوجة، لا زالت مسالك السعادة له منهوجة.
أما بعد إهداء سلام ربما لا يفي بما ترومه وإن أطلت نجاد أوصافه، ولا يبرهن عما عندي من الاشتياق بذلك هزة أعطافه، وحسي أن أقول سلام خل تكاثرت أشجانه، من بعد مكانه، عمن أهواه من خاصة إخوانه، فإني وأيم الله كدت أن أذوب من الشوق، لولا تلاقي كتابك بما قلد به من الطوق فلم أفتح ختامه، إلا وقد نهلت العين مني ساكبة مثل الغمامة، حتى محيت سطوره قبل أن أستيقظ لتلقي سروره، وهذه الحال كنت أعدها في بيوت الشعراء من زخاريف المقال، ولا والله إني لعليم الآن بما يجدون، وأنهم لا يصفون ما عندهم ولو يجدون، ومثلك من يكفيه هذا العنون، عما أجده من بعد الإخوان، فماذا تحاول مني أن أستوفي تقرير الشوق بتعريضك، وكأني برفيع جنابك لا يجد، ما عندنا مما تصفه بنثرك وقريضك ولكن بين الوجدان والتوجد، ما بين من انتظم شمله بأخوتك والمتوجد، وإلا فكيف تجعل ايام البعد، ليستن بكثيرة العد، ومع تجاوزها للعشرين يوماً تطويها بما عندك من البراعة، وتستنشدني أهذا ولما يمض للبين ساعة، فأنا أحجك بمجرد وقو ذلك بخاطرك القويم، ولو أنك علقت تعجبنا من فعل البعد بالأداة التي تؤذن بما أنت به علم، ولكن قد تبين لي وأنا ممن لم ير عن الحق ميلاً أن ذلك كان منك وسيلة لإنشاد (أأترك ليلى) وهذه مطارحة حملني عليها ما تدريه من الود، والتلذذ بمفاكهتكم على البعد، وإلا فإنك أتحفتني لا زلن تحفة للإخوان بروض الدوح أريج، ذي منظر بهيج، ولم يحكه نشر أزهار، الرياض ولا غرغرة سلسبيل الحياض، كلا وأيم الله ولا تغازل الجفون المراض، ولقد اتخذت فصيح عباراته ولطائف إشاراته ورد الاغتباق والاصطباح، أغناني عن معاطاة الأقداح من أيدي، الملاح، وشنفت به آذان جلسائي من علماء هذا البلد، الشاهدين لك بكمال البراعة التي لم يبلغ إليها أحد، وقد استحسنوا تبليغ سلامنا إلى الشيخ ودعوته، مستجابة، وظنوه من الصالحين الذين لهم من الله الإنابة، وكلهم عاد يرغب أن تستمد لهم منه الدعأن فأبلغه ذلك وسيجزي من سعى، والسلام.
وكاتبني أدام الله رعايته وحفظه مجيباً عن ذلك بما نصه.
بعد إهداء أعز التحيات وأعطر التسليمات المحاكية أخلاق أخير النسيم لطفأن إلى معاطي الألباب من بدائعه قرقفاً صرفأن نخبة إخواني، وواسطة عقد أقراني، الفذ الوحيد في كمالاته، والمنقطع القرين في تدبيج محبراته، طلاع ثنايا العلوم، المشرق نير إدراكه بين نجوم الفهوم، مجلي غياهب المشكلات، إذا اضطرب الأقوام في حل المعضلات، متلقي راية المجد بيمينه، المفتون بأبكار المعجز وعونه، الساحر للأفهام ببراعة يراعه، المسترق للقلوب ببديع اصطناعه، المتولي على الغاية لافي حلبة الكمال، الأخ الصديق الذي لم يسمح له الدهر بمثال، من لقبته أندية الأدب برئيسي، عمدة خلاني وواسطة عقد إخواني الشيخ سيدي محمد السنوسي، عج الله أوبته، وأنس غربته، وحرس ساحته، مما يكدر ارتياحه هذا والذي في إيناس من صفوة الجلاس، المنشد لم لدفع الإيهام، الناشئ لكم من تابعنا والتآمنا بخاصة الإخوان الكرام، حتى عرض يراعك بالسلوان، وإيهامنا بالغفلة والشغل عنك بغيرك ن الإخوان فلتسمع ما أقول، وإن عد التنبيه على المعلوم من قبيل الفضول:
ولو صبا نحونا من أفق مطلعه ... بدر الدجى لم يكن حاشاك يصيبنا
وكأني بلسان حالي ينشد للفتى المتردد:[الطويل]
ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به ... وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر