الجناب الأكرم، والملاذ الأفخم، عمدة البلغاء والمتكلمين، وكنز النحاة والمعربين، والمتحلي كلامه بقلائد العقيان، ونظامه ببلاغة قيس وفصاحة سحبان، كيف ولا وهو البليغ الذي إن تكلم جزل وأسكت كل ذي لسان ببلاغة وإحسان بل البحر الذي جرت فيه سفن الأذهان، فلم تدرك قراره وعجز البلغاء أن يخوضوا تياره ما برز في مواطن بحث الإبراز على الأقران ولا أخبر عن فضله من رآه إلا وتمثل ب? (ليس الخبر كالعيان) ، كيف لا وهو البليغ الذي تلألأت بمعاني بيانه السطور والطروس، واهتزت ببديع براعته الأعطاف والرؤوس، الألمعي الأحظى، والأريب الأرضى أخونا الشيخ سيدي محمد السنوسي لا زال برهان فضله ساطعأن ودليل مجده قاطعأن ونجم سعده أبداً طالعأن ولا زالت أسفاره مقترنة بالسلامة والأرباح، متصلة بالغبطة والنجاح، وقضى بقرب رجعته، وجعل مسيره يزيد في رفعته، وسكن بقدومه أشواق أوليائه وأهل محبته، ولا زالت محاسنه مشكوره، ودراهم معمورة.
أما بعد إهداء تحيات تباري نسمات الصبا بلطفهأن وتزدري نشر خمائل لصبا بعزمهأن وأدعية ترفعها أكف الضراعة، وتبتهل بها إلى الله قلوب متجذبة مطواعة، فإنه لا يخفى على شريف علمكم، ولطيف فهمكم، ما بيننا من المحبة المعتيدة، والمودة الأكيدة، وإنا إليكم محافظون على الوفأن ولا نكدر من شراب المحبة ما راق صفأن والعبد منذ فارق جنابكم الرفيع المقدار، لم يذق جفنه لذيذ هجعة أو قرار، وأني يكون له قرار وهجوع، ولواعج أشواقه تتلهب بين الجوانح والضلوع، كم صبر فؤادي وهو يقسم بأنه لا يستطيع معه صبرأن ولا يخافكم من نصف قلبه ببلد ونصفه بأخرى، فنسأل الله أن يمن علينا بالتلاق، ويطوي شقة البين والفراق، والسلام.
وكاتبته مجيباً بما نصه: أدام الله حفظ الأنجب الأبرع، والفهامة اليلمع، اللوذعي اللبيب، والأوحد الأريب، الأنجد الأزكى، والأمجد الأذكى نجم الدروس، ومبيح خبيئات الطروس، المزرية من لطف أخلاقه بسلافة الكؤوس، نخبة أقرانه، وغرة جبهة زمانه، أخي وعشيري، وعماد مودتي وسميري، مشيد عالم الفخار الذي تطلعت محاسن كمالاته طلوع محاسن الأقمار أخينا الشيخ سيدي محمد القصار، لا زال يتحف إخوانه بنزهة الأبصار، ويجدد لهم حلي المودة بتجدد الأعصار، ما دام الليل والنهار.
أما بعد إهداء تحية تعرب عن ودادي، ولا أن أنها تقوم بواجبات ما قلدتنيه فقد تشرف العبد بمكتوبكم العزيز، الخالص خلوص مودتنا وأين منها خلوص الإبريز، قد سرني وأيم الله مضمونه وكادت أن تذهب على القلب شجونه، على أنني معترف بأني لست من التقصير في حقوق أودائي ببري ولكن إن مكان الواحد منهم مقسم القلب فأنا نه عري، وهذه غاية ما يقدم به الاعتذار حين شط المزار، وتناءت الديار، ولم يقر للحقير قرار، ومن تباعد الأسفار، نسأل الله تعالى أن ينظم الشمل بجنابكم، وأن لا يعدمنا التلذذ بعزيز خطابكم، والسلام.
وكاتبني حرسه الله مجيباً عن ذلك بما نصه: المقام الذي كل البيان له منقاد، والبديع يقتبس من ذهنه الوقاد، من صعد من سماء العلوم أعلى المنازل، وورد من مياه الآداب أعذب المناهل، وعلوم المعاني قد أطاعت له لفكر، وظفر منها بالثيب والبكر، فارس حلبة الإبداع والبراعة، حاوي قصبات السبق في ميادين اليراعة، حتى تعدى بالمفرد العلم، وفرسان البلاغة القولية السلم، الهمام الجليل، الراقي مراقي العز والتبجيل، أخينا الشيخ سيدي محمد السنوسي لا زال بحراً يقذف موجه الدرر، وعقداً في جيد الدهر يتلألأ بالغرر مخصوصاً بأنواع الكمالات، طالع البدر من أشرف الهالات.
أما بعد إهداؤ لسلام لأطيب من عرف النسيم، والأعذب من رحيق مختوم ختامه مسك ومزاجه من تنسيم، فإنه قد وصل كتابكم فكان وروده أشهى من الفلق لمن باب يكابد مكائد الغسق أو وصل حبيب أو مخالسة، رقيب، أو الماء العذب الزلال لمن أغواه من شدة الظمأ الآل، وليس يخفى ما يحصل للمحب عند رؤية آثار الأحبة من إثارة الأشواق، التي هي للمحبة من ثمرات الأوراق، ولقد كنا في وله وقلق أزاله كتابكم، ومحاه خطابكم.
أبقاكم الله سالمين، ووقاكم من كل أمر يشين، والسلام.
ثم إني لما أدركني عيد الأضحى، بادرت الإياب إلى الحاضرة ضارباً عن أهل الساحل صفحأن لأقضي العيد بين إخواني وأريح التجاني، باستنشاق ما تتضمخ به أرداني.