هذا وأما المراسلة ورسم الدين، اللذان حملاني عظيم الأين، فقد أبلغتهما إلى الشيخ الجليل، قاضي القضاة الذي ليس له مثيل، فقام في إقامة حق ربك لتلك الحقوق، التي ظعن عنها ذلك الزوج وكلفها العقوق، فما لبث أن أحضره بأحد أعوانه، وجرعه إلزام القضاة قبل النهوض من مكانه، حتى احتار مما ألزم به ذلك المسكين، وخشي لزوم النفقة على تلك السنين، فأبدى الرأفة بعياله، وزعم أنه غير راضٍ بطلاقها في حاله ومآله، وصفها بمدائح زعم أنه كان في انتعاش، حتى كاد أن يمدح فيها حسن الفراش، وذكر أنها لم تناشزه النشوز الذي أوجب به الطلاق، وأن أهلها الذين هم كلفوه الفراق، كل ذلك إظهاراً منه للتعطف، وإبداءً للمسئلة بغاية التلطف، خشية أن يظهر ما بينها من الشقاق فيشد عليه الوثاق، إلا أن جميع ما أبداه من أنواع التملق، وإظهار أنه لم فيها مع فوات بثها مزيد الرغبة والتعلق، لم يكد ذلك يجد له نفعأن ولا يقرع من آذان ذلك العمدة سمعأن وما كانت له ذلك إلا وسيلة للاعتراف بدارهم أخر كتبناها عليه، زيادة على القدر الذي دعي إليه، وألزم بإحضار رسم الطلاق الذي اعترف بإيقاعه على الوجه الموصوف، حيث لم يمسك بمعروف، (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) ، وقطعه بجوده وعدله. أما قضاء الدين، فيرى دونه احتمال الحين، ولذلك جنح به الشيخ إلى ما هو خير، بعد أن علم أن لا طاقة له على الإلزام بما فوق السير، فاقتضى منه خمسين، وجعل عليه ماب قي مشاجرة بعد أن أخذنا عليه الكفيل الأمين، فالتزم بدفع ما بقي عن سبعة عشر شهرأن في كل شهر منها عشرأن فإن أرضتها هاته المعاملات فلتعط توصيلاً قيما يبلغكم صحبة الحامل، وتوكيلاً لمن ترضاه يتولى استخلاص البقية في الأشهر القابلة يبلغها على الوجه الكامل. وهذه غاية النتيجة بعد أن تسعرت نيران الخصام الأجيجة وها هو يصلك رسم الطلاق، عسى الله أن يبدلها زوجاً خيراً منه فتحظى بالانعتاق، والسلام. أواخر المحرم سنة ١٢٩٢ اثنتين وتسعين ومائتين وألف.
واجتمعت هنالك بالشريف الفاضل، والقدوة بين الأفاضل، صاحب الفضل الذي لا يتناهى، سيدي حمودة بوهاهأن وكان يومئذٍ شيخ دروس المقام البلوي، أدام الله بيت مجده العلوي، والشيخ المفتي أبي محمد سيدي حمودة صدام. ووجدت عماد بيت الشريف الأثيل، والفضل الذي ليس له مثيل، صفوة الكرام البرره، ونخبة الخيره، الشيخ سيدي حمدة العواني، وهو نقيب الأشراف الذين فضلهم ليس بخاف وهو من العفة والهمة العالية بمكان عظيم وجدته ولوعاً بالسيرة الحلبية، وحصلت منه على دعوات نرجو بها كل أمنيه. إلى غير ذلك من الأعيان الذين ضمهم ذلك المكان كالفاضل الزكي المدرس الشيخ سيدي حمدة بوراس وهو ممن أنسنا في تلك الإقامة، جزاه الله بكل خير وكرامة.
وكان عامل المدينة المذكورة يومئذٍ الهمام الأفخم أمير الأمراء محمد المرابط، إلا أنه استخلف عليها عند ذلك أخاه العمدة الأكمل الأبر الموقر المحترم الحاج محمد فوجدنا له من حسن السيرة في معاملته أولئك الأعيان، ما لم يتمالكوا به يثنوا عليه بكل لسان، على أن فخر العامل المذكور، قد اشتهر منذ دهور، إذ هو في نسبه ينتمي إلى دفين تلك المدينة صاحب الزاوية المكينه الشيخ سيدي عبيد الغرياني رضي الله عنه ومكانته من عهد المشير الأول لا تكاد تخفى في تلك الدولة الأحمدية، حين قاد جيوش المحمدية.
أما مآثر السلف التي في ذلك البلد، فإنها لم تعقف عند حد وناهيك لجامعها الذي هو من أعظم المفاخر الإسلامية، ومحرابه أول قبلة رسمت في إفريقيه، برسم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. ووجدنا بمستودعه من مآثر الصحابة قطعة من درع تبركنا بها مع آثار قوس وبعض ملابس آخر من واقيات الحروب وبقايا مصاحف كوفية على الرسم الأول قبل النقط المتعارف الآن والشكل، إلا أنا ألفينا الجامع المذكور قد تداعى، وكاد المسلمون أن يعدموا به انتفاعأن فبادرنا إلى شرح حاله لجناب ذلك الرئيس، وقد نجح بحمد الله في ذلك سعيه إلى الوجه النفيس، وكاتبه في ذلك كبير أهل الشورى، بمكتوب يملأ الأفئدة سرورأن غير أني لم آخذ منه بنظير، لأحلي منه هذا النزر اليسير، نعم وكاتبه في ذلك الشيخ القاضي بمكتوب، أتى به على أحسن أسلوب نصه: