لم تحك منوبة السمحا علاك بما ... أبدت بساتينها من رائق النظر
كلا ولا هاتك المرسى التي فرعت ... بشاطئ البحر والصفصاف والحبر
كلا ولا حلق وادينا وإن بهرت ... منه المحاسن في الآصال والبكر
نعم ولكنّ هاتيك الأماكن قد ... عزت بشمّ تساموا في ذوي الخصر
لطف الحضارة أضحى من شمائلهم ... وهم أسود شرى للدهر كالغرر
أعزة لا يزال السعد يتبعهم ... ينيخ رحله في مغناهم النَّضر
دامت منازلهم تسمو بهم شرفاً ... نلقى بهم بينهم إيناس ذي الوطر
وعند استقراري بالحمامات، تذكرت عهد الأحبة الذين كدت أن أتسلى عنهم بما كنت فيه من تلك المقامات، فهالني منهم تأخير المكاتيب، وإن كانت الطرق ممنوعة بما ذكرناه من توالي الشآبيبت، لكن على كل حال قد وصلني مكاتيب من غيرهم، فرأيتها من أعز ميرهم، وهي أني استفدت الإخوان على بعد الحال. وهنا ينبغي أن لا ننسى كثرة مكاتيب العالم النحرير، الفاضل البديع التحرير عالم الثبات والديانة. وحسن الأمانة والصيانة، أستاذي الشيخ سيدي الحاج أحمد الورتتاني، بلغه الله الأماني، كان أعقبني في الساحل لحل بعض العقد، التي أعجزني أمرها في هاتيكم البلد، وبسبب فيما بيننا من المسافة كنت أسترشده بعدة مكاتيب وهو يجيبني حفظه الله عن ذلك إجابة مشافهة. كما لا ننسى ما كان يمتن علي به جناب العزيز الرفيع العماد بين ذوي الألباب درة العقد الحسيني، صحصحي وقرة عيني، الدراكة البارع، والخلاصة الذي لأعلام المفاخر فارع، باذل العناية في التعلمات، المحصل على أعز الكمالات، الشهم الهمام المرفع شأنه سيدي محمد الناصر باي أبقاه الله ومما يحسن إيراده هنا ما كاتبني به بعض المكاتيب وهو أنه أسلم على يديه رجل نصراني كان بستانياً عنده حقق الله ثوابه آمين.
أما العصابة الأدبية فحين استيقظت لبعدهم كاتبتهم بما وجدت من بعدهم وهذا نص ما كاتبتهم به: [الكامل]
ما للوداد مقره في الأضلعِ ... والآن طيب رقومه لم يطلعِ
هل عاد رسمه عافياً فذوى به ... غصن اليراع ولم يقم في مربع
أم أن شخصه قد هوى بسلوه ... في هوة ناءت بذاك المنزع
أم أن نسج عناكب النسيان قد ... أغناه عن حلي النسيج الأبدع
تالله ما خلت التناءي دارساً ... لمعالم الود القديم الأرفع
كلا ولا خلت الأحبّة كلهم ... يتواطؤونا عن مزيد تمنع
صرفوا حبال الود عني وانثنوا ... ولهم بهذا البعد فخر تولّع
حتى رأيت شهود قلبي فيهم ... بمجرح الهجر الوخيم المرتع
ماكنت أحسب أن حق الود لا ... يقضي هوى بالقرب بين الأربع
إذ هذه ليست بشيمة من بهم ... نرعى من الإيناس أخضل ممرع
وهم الألى أرتضعوا أفاويق الوفا ... ق من الرفاق ذي المقام الأرفع
أهل الوداد وأنس تونس من بهم ... أبدت محاسن كل شهم أروع
دامت كواكب سعدهم من أفقها ... تبدي ازدراء بالبدور اللمع
حيهلا بجمع الإخوان، الذين نتاءوا عن العيان، حين تقاصى بنا المكان، السادات الأعيان، المتطلعين غررا فغي جبهة الزمان، الألباء الحائزين في المعقول والمنقول قصبات السبق والإحسان، المجلين على مشاهير الإيمة في كل ميدان، انتقاء روحي ومن لم أزل أدير بذكري مكارمهم كؤوس غبوقي وصبوحي، شموس المعارف الكبرى، وأعلام العلوم الذين أعلى الله لهم في الخافقين ذكرأن أدباء العصر، وبدور ذلك المصر، والشبان الذين كشفوا عن محيا النجابة والبراعة لثاماً والخلان الذين تاج بهم جليسهم إذ نال بهم التثامأن أوتاد بيوت المفاخر، وبحور الفضائل والمكارم الزواخر، وأصدقائي وأخلائي، وأحبتي وأودائي الذين ألاقي صفاء صفاء مودتهم بالتبجيل، وأنى لي بتسمية خيارهم ولم بحتج النهار إلى دليل، إذ هم الإخوان الذين تفيأت معهم ظلال المفاخرة والعرفان، واتخذت كل شهم منهم شهم منهم سهماً أرمي به أكباد الأعادي، واعتضدت منهم بكل أروع أودع عنده نفائس ودادي.