للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما بعد إهداء تحية تعبق على جميعهم بإحياء رميم الوداد، وتحرك ما سكن من الشوق في صميم الفؤاد، ترفعها إليهم أكف التكريم، في محافل التبجيل والتعظيم، وتسقيهم من سلسبيل المودة أعذب الكؤوس، فإن مكاتبهم رهين مودتهم من ألم النفوس، فيا للعجب العجاب، وللسادة الأخلاء الأحباب أدام الله حفظكم، وأجزل من العز حظكم، إذ لم أدر موجب تناسيهم الوداد، عند العباد، وعهدي أنه بذلك يزداد التضاعف، وبما أثمرت غراسته، في افئدتكم ما يدنو بكل قاطف، فتعمدتم الهجر والبخل بالكتاب، وأنتم من ذوي الألباب الخبيرين بألم الشوق، وإن شب عمره عندنا على الطوق، على أن رد السلام، واجب في شريعة الإسلام، وترك الحقوق، مؤذن بالعقوق، وأر أني لا أحتاج إلى إطناب هاتة المقالة بما تتحققونه من هاته الولاية أما إن نشرت بساط حقوق المودة، فلا أقدر أن أفي لكم بذكر ما أخللتم به من هاته المدة، على أنني على تراكم الأشغال قد تخيرت جهد لمقل عن الإخلال فأنا سائل عن جميع جموعكم أدام الله لها السلامة، وأنا والمنة لله، على ما يرضيكم من الاستقامة، إذ كادت فضائل القيروان المأمونة، أن تنسيني محاسن تونس المصونة، إذ لاقيت من برور أبنائهأن ما تأسس عليه شامخ بنائهأن ولا أظن أني وفيت حقهم لو أنصفت بما ذكرت في قصيدة رحلتي الواصلة إليكم، إذ وصفت لكم على أن الله قد امتن علي بختم شمائل المصفى في مقام صاحبه الجليل، وقد أتيت على القريب من نصفه دراية وأتممته رواية حين أدركني الرحيل، والله إني لم أنس واحداً من أحبتي في ذلك الحرم، فالحمد لله على تلك النعم، إلا أن الله جل جلاله، قضى على ل وصل بالفراق ومنع بمقتضى حكمته في هاته الدنيا بقاء التلاق، ولم يسعنا عند ذلك إلا اعتماد مفارقة تلك الروضة ففصلت عنها بكبد مرضوضة، ودموع مفضوضة، ففارقت ذلك البلد بعد أن صبرت على فراقكم وفراق أهلي، وأحلتني المقادير الآن بالوطن القبلي، نسأل الله سبحانه أن ينجح لنا الأعمال ويبلغنا بعد البعاد عنكم من القرب غاية الآمال، بمنه وكرمه والسلام، وكتب في الحمامات يوم ١٩ الجمعة من صفر سنة ١٢٩٢ اثنتين وسبعين ومائتين وألف.

فكاتبني مجيباً عن ذلك جناب الشيخ سيدي محمد بن الخوجة بما نصه: [الكامل]

ما للعتاب هفا بريح زعزعِ ... ترك الجوانح منه ذاتَ تروّعَ

أو ما جزمت بأن ذكرك لم يزل ... طول الليالي سمير هذي الأضلع

حاشا المودة أن يهد حصونها ... ما جاء من هذا الأودّ الأبرع

فاثن العنان عن العتاب ولا تخلْ ... أنّا سلونا أنت أنت المدعي

كيف السلو عن الحبيب وشخصه ... ما أن يريم عن الفؤاد الموجع

إيه فقد أحييت عاطشَ أكبدٍ ... بزلال نظم كان أعذب مشرع

فجرّته الراح الحلال فكلنا ... مترنح الأعطاف حلف تولع

إيه أيها الأخ الثاوي بسويداء الفؤاد وإن نأى قراره، الذي ما إن قر لرهين أشواق وصريع بعاده قراره، كيف الصبر فإنه لا يطيب على الحبيب، وأنى للعين أن تسلو سلو المقصر عن إنسانها المبصر كلا والعيون الدعج والمباسم الفلج والقدود الميس والثغور اللعس وما بعدها من إليه لكل نفس ألمعية، ولا أزيد على الكلمة البيرمية:

<<  <   >  >>