للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحمد لله الذي أطلع شمس الطلعة الفكونية من الأفق المغربي ويا عجباً من طلوعها أماناً للعالم، وجمع فيها ما افترق من شتات العلوم في كل نحرير عالِم، وأزاح بها سحب الإشكال، وأراح بها من سحب الجهالة المخدرة لوجوه المعاني والأشكال، وقيد شوارد العلوم، وقرت بها على طريقة التحقيق بين المعوق والمفهوم، أحمده حمد من ركب إليه في استصواب الصواب، وأشكره شكر من علم أن شكره سبحانه هو غاية المرغوب والثواب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد محقق في إيمانه، مخلص في عرفانه وإيقانه، ونشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله الذي أوتي من الكلم جوامعه، وعُمِّر به من كل سبيل صوامعه وجوامعه، الفهم صل وسلم عليه وعلى آله أولي الجد والتحقيق، وصحبه خير صحب وأكثر فريق، ما ذر شاردتي وأشرق غارب، وسكب هاطل وهطل ساكب.

وبعد فسلام يسابق النسيم، ويجاري برقته نفاسة التسنيم، يصافح الروض فيكتسب من بشره، ويفاوح الأزهار فلا تجد أذكى من نشره، يسترقُ العنبر من عبيره، ويسترق المسك لفوته عنه في كثرة الشم وتكويره، كما قلت:

أهدي إليك سلاماً ... يفاوح الندَّ نشره

يلقاك من كل فج ... إذا تلقاك بشره

أهديه إلى السيد الفقيه، العالم العلم النزيه، النحرير المتفنن الوجيه، من لنا إلى حبه ركون، سيدي عبد الكريم الفكون، كان الله له في الحركات والسكون، آمين.

هذا واعلم أيها الصديق الحميم، أذاقنا الله وإياك برد الرضا والتسليم، أني رقمته والخجل في الوجنات يبدي حمرته، والوجل يظهر تارة صفرته، في منزل به خيام المَحَال، أسأل الله أن يجعل الإسعاد بها لا من المحال.

وقد تفاءلنا باسمه جابر، وقد طاب منه مشربه الرائق الزاهر، منزل جبر الله فيه القلوب، وشر الله فيه كل مرغوب ومطلوب، من إصلاح الله سبحانه بين عباده، ورد سيف المعاند والكائد في أغماده، أوجب الله لكم السعادة، وشمر لكم أسباب الحسنى وزيادة، وأن السيد الفقيه، المشارك الوجيه، سيدي أبا العباس أحمد بن الحاجّة، جعل الله حسناته في أسواق القبول رائجة، هو ومن معه من السادات الفقهاء الأعيان شنفوا أسماع الفقير، بما لا يسعه وضع لسان القلم وإملائه على التطريس والتسطير من محاسن أخباركم التي راءت لنا منهم بكل وجه جميل، وكرروا علينا عائدها في البردين والمقيل. ولقد قلت في ذلك: [الطويل]

شغفت بكم لما تشنف مسمعي ... وعشق الفتى بالسمع مرتبة أخرى

لا جرم كاتبناكم وأيدي الشوق تتلقف حبات القلوب، وقد شبّ عمرها عن الطوق، وكفى أن عَلِمَ ذلك علاَّمُ الغيوب. وأعلمكم أني لا أنساكم من الدعا، كما أني أطلب ذلك منكم لاسيما بإصلاح الوعا، فإن الدعاء بظهر الغيب مستجاب، والتحابُّ في الله في هذا الزمان الصعب من العجب العجاب. ولا تنْسنا من مكاتبتكم مع الواردين، كما أنها ترد إليكم منا مع الصادرين. سقاكم الله رحيق الوداد في كاسات الإخلاص، وأورد صحائفكم مبيضة الوجوه مع زمرة صحائف أهل الاختصاص، ومن معنا من الجماعة وهم: سيدي محمد العامري، وسيدي علي الشرفي، وسيدي محمد الأندلسي، وسيدي الحاج عون الله، يُهدون إليكم أطيب السلام، ويخصونكم بالتحية والإكرام، ويطلبون دعواتكم، في خلواتكم وجلواتكم، ومعاد عليكم منا ورحمة الله وبركاته.

رقَّمه بأنامل التقصير، العبد العاجز الفقير، المذنب الجاني، محمد تاج العارفين العثماني. لطف الله تعالى به بمنه. بتاريخ أوائل ذي القعدة الحرام عام سبعة وثلاثين وألف بقصر جابر. جبر الله صدع قلوبنا، وغفر عظيم ذنوبنا، وجعل استعدادنا لمعاده ووفر دواعينا فيما ينجينا ويقربنا منه زلفى بمنه ورحمته. وصفى الله على مسكة الختام، ولَبِنة التمام، سيدنا ومولانا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ١٠ هـ.

٢٦ [الشيخ أبو بكر البكري] وبعد وفاة تاج العارفين تقدم لخطة الإمامة والخطبة ورواية الحديث بجامع الزيتونة ولده (الشيخ أبو بكر) وكان من رجال العلم والدين جلس لإقراء صحيح البخاري دراية بجامع الزيتونة وعمره سبع عشرة سنة وحضر درسه جميع علماء ذلك العصر عدا والده، فرأوا آية كبرى، وجزموا لأن ذلك كان بعناية ربانية زيادة على علمه وكانت أمه ابنة الشيخ أبي الغيث القشاش ومن بيتها انجر غالب أوقاف البكريين.

<<  <   >  >>