للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل: إن الباشا المشار إليه ذكر لهم في بعض الليالي حسن معاملته للعلماء وتقريبهم من مجلسه مع ما كانوا يعانونه من الدول السالفة فسكت جميع الحاضرين وبعضهم شكر فضله. أما صاحب الترجمة فلم يتهيب أن قال له: إن ما كان يعانيه العلماء السابقون كان متسبباً عن وقوفهم مع أمرائهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واليوم جميع الحاضرين لا تجد واحداً منهم ينكر عليك ما أنت فاعله. فلم يقدر الأمير على إجابته وتوقع بعض الحاضرين للشيخ ما توقع وزاد الأمير بعد انتهاء المسامرة أن أرسل إلى الشيخ بأن لا يرجع إلى تونس صباحاً فلم يشك الشيوخ فيما توقعوه، لكن من الغد أجزل الباشا صلته وشكره على حسن تنبيهه وأركبه في شريوله للإياب إلى الحاضرة فكانت منقبة جميلة لكل منهما. ولم يزل الشيخ على فضله وفخره في بث العلم ومباشرة القضايا إلى أن أدركته المنية فتوفي سنة إحدى وستين ومائة وألف عليه رحمة الله.

٣٣ الشيخ عثمان البكري هو الشيخ أبو النور عثمان بن أبي الغيث بن علي بن أبي بكر بن محمد تاج العارفين البكري سابع الأيمة البكريين. لما توفي والده أخذ في اكتساب ما يؤهله للالتحاق بسلقه، فتعلم القرآن العظيم وتصدى لقراءة العلم الشريف على الشيخ "محمد سعادة" ولازم الدروس، لإحياء ما ذوى في أصوله من الغروس، إلى أن برقت على أساريره بروق النجابة، ولاحت غياهب الجهل عن وجهه منجابة، وكاد أن يحيى ما عفا من مراسم بيته الرفيع، ويلتحق بأجداده فيكون زهرة في روض فضلهم المريع. وعند ذلك أعمل الأسباب، وأمل من دهره نيل الآراب، فجرى ذكره بخير عند الباشا، وحسنوا عنده إلحاقه في إمامة الجامع وكان الأمير المذكور يميل إلى إجراء الأمور على عوائدها التي كانت عليها مدة المقدس والده حسين باشا فقيل له: إن من عادة جامع الزيتونة مدة المقدس الوالد أمر الجامع يكون بيد إمامه الأكبر يولي فيه من يشاء وعند ذلك فوض الأمير وظائف الجامع إلى الإمام البكري فعزل خليفته الشيخ غيث غلاب لولايته مكانه مدة الباشا واستمر معزولاً مدة ثم أعاده إلى النيابة بوسائط واستمرت الإمامة بيد صاحب الترجمة وهو مرموق بعين احترامها، معدود في زمرة أعلامها، إلى أن أتاه محتوم الأجل سنة ست وسبعين ومائة وألف ودفن بزاويتهم عليه رحمة الله.

٣٥ الشيخ حمودة البكري هو الشيخ أبو محمد حمودة بن أبي الغيث بن علي بن أبي بكر بن محمد تاج العارفين البكري ثامن الأيمة البكريين- وليها بعد وفاة أخيه المتقدم مع أنه بعد وفاة والده لم يتعاط شيئاً من اكتساب ما يتأهل به لولاية الخطة المذكورة وبقي في تنعم بيته بعد وفاة والده ومدة إمامة أخيه إلى أن توفي أخوه واستحق هو إرث الخطة المذكورة فقدمه إليها الأمير علي باشا باي الحسيني إماماً أكبر بجامع الزيتونة. قيل: إنه لما صعد على المنبر يوم الجمعة لم يقدر أن يفوه ببنت شفة وبقي حصة صامتاً إلى أن استنزله المزوار بهيئة ازدراء وخطب مكانه خليفة الجامع واستمر على خطته وجهله محترماً معظماً إلى أن توفي عليه رحمة الله. وكان خليفة الجامع يومئذ "الشيخ محمد بن علي سويسي" يقيم الخطبة والخمس بجامع الزيتونة مع ما له فيه من الدروس العلمية. وشيخ الختمة ولده "الشيخ علي سويسي" فزان كرسيها بحسن تلاوته مثل جده سميه، وصاحب سجادة التجويد هو "الشيخ محمد بن أحمد عزوز" ولد سنة ست ومائة وألف وأخذ القراءات عن والده وأخذ معقول العلوم ومنقولها عن الشيخ "محمد زيتونة" والشيخ "علي سويسي" والشيخ "أحمد مجاهد". وتقدم بعد وفاة والده خطيباً بجامع الحلق، وتصدى للتجويد على سجادة جامع الزيتونة فنفع كثيراً إلى أن توفي عليه رحمة الله.

٣٦ الشيخ أبو الغيث البكري هو الشيخ أبو الغيث بن حمودة بن أبي الغيث بن علي بن أبي بكر بن محمد تاج العارفين البكري، تاسع الأيمة البكريين، وليها بعد وفاة والده فخلف أباه وجده في عدم التأهل وأشرك معه قريبه "الشيخ تاج " واستمرت الخطة بيده وهو محترم باحترامها، وإليه مرجع الأمر والنهي في الجامع إلى أن توفي وصرف بوفاته قريبه المذكور، عليه رحمة الله.

<<  <   >  >>