هو الشيخ أبو محمد حسن بن عبد الكبير بن أحمد بن محمد بن أحمد الشريف إمام مسجد دار الباشا ابن حسن بن علي بن حسن بن أحمد بن القاسم بن محمد بن قريش بن عيسى بن عبد الرحمن بن خلف بن علي بن نهج بن علي بن محمد المكتوم بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. حبذا عقد سؤدد تناسقت جواهر آل البيت النبوي فيه اتساقاً، وأفق فخر طلعت بدورُه لا تختشي خسموناً ولا محاقاً، نبغ فيه هذا الإمام، وطلع شمس هداية في دياجي الظلام، علماً وشرفاً توارثهما من آبائه الكرام، وأجداده السادة العظام. أصل هذا الفرع النبوي من الهند، ومنه كان مقدم جدهم إلى حاضرة تونس، وهم من ذرية الشريف السيد علي ابن الشريف السيد محمد المكتوم جد الملوك العبيديين، ولا زالت فروع هذا الجد الشريف في نواحي الهند إلى هذا اليوم ببلد أجمير، وبها زاوية الشيخ علي المذكور قائمة المعالم والشعائر فهم أشراف هنديون ولذلك يقال لهم: بنو الشريف الهندي وإلى ذلك يشير شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن محمد بن الخوجة في مدح آل هذا البيت بقوله: [الطويل]
ألا أن نور الله بعد محمد ... بنو بنته الأطهار من وصمة الحقد
وكلهُم سيف فِرنده لامع ... ولكنما الأسياف أشرافها الهندي
وكان ثالث أجداد هذا الإمام الشريف الحسيني (الشيخ أحمد الشريف) الإمام بمسجد دار الباشا عالماً صالحاً. ولد بتونس وأخذ العلم عن الشيخ "ساسي بن محمد نوينة الأنصاري الأندلسي" وعن الشيخ "محمد جمال الدين القيرواني". وولع بكتب الأعاجم النحوية، وكتب الحديث والفقه، ولازم التدريس عند الفجر بمسجد دار الباشا وكان يقول: لي في إمامة هذا المسجد سبعة أجداد. وقد حجّ بيت الله الحرام أميراً على الركب التونسي. وكان جميل الصورة، نحيف الجسم، نظيف الشيب، يقبل يده كل من لاقاه قد تجمّلت التواريخ التونسية بذكر مناقبه ومآثر علمه وصلاحه، إذ كان شيخ شيوخ جامع الزيتونة علماً وفضلاً يقرىء الصحاح الست وسائر العلوم بالجامع.
وقد نقل عن معاصره الولي الصالح الشيخ "ابن خودانه" قال: إن الشيخ أحمد الشريف بلغ إلى القطابة وله كرامات محفوظة منها: إن بعض تلامذته ممن كان يسكن ربض باب السويقة قد تأخر في المدينة في قضاء حاجة له إلى أن غلق عليه الباب مدة عتو الترك في البلاد، فحضر لدار الشيخ بحوانيت عاشور وطلب منه أن يبيت عنده فأحسن قبوله، ثم لم يلبث الشيخ أن خرج إليه وقال له: إن والدتك كادت تتمزق كبدها من جهتك فلابدّ أن تذهب إليها فقال له ة يا سيدي إن الباب مُغلق وأنا أخشى سطوة الترك أن يقتلوني فقال له: اذهب ولا تخف، وإذا بلغت عند زاوية الشيخ سيدي محرز تجد هنالك رجلاً يذهب معك ليفتح لك باب السويقة ويبلغك إلى دارك، فكان الأمر كما ذكر الشيخ وأدرك والدته تتخبط في أشراك جزعها عليه، وله كرامة سيدنا يحيى فإنه قد هرم وآيست زوجه ولم يولد له، فاتفق أن آذاه بعض أقاربه بسبب عدم الولد فشكى ذلك إلى زوجه وكانت ابنة المفتي الشيخ "أبي الفضل المسراتي"، ولما كانت آيسة من نفسها خرجت تخطب له زوجة، وأخذت بكراً وجهزتها له وأحضرتها بنفسها رغبة في الولد. ولما كانت ليلة الدخول توضأ الشيخ وصلى وسأل الله جبر زوجته التي تركته يدخل على زوجة أجنبية وطلب أن تكون منها عمارة داره، ودخل بزوجه فلم تمض مدة حتى ظهر الحمل على كل من الزوجتين، وولدتا له ولدين سمى أحدهما الحسن وسمى ولد زوجته الأولى محسنا، ثم إن الزوجة الجديدة لم تحمل أكثر وعاد الحمل ثانية إلى الأولى، فولدت ولده محمداً جد صاحب الترجمة ولم يزل أبناء محمد وأبناء محسن يتقلبون في فضل فخره ودعائه وأبناء الحسن تناقلوا مع والدهم إلى ربض باب السويقة، ولم يزالوا هنالك مرموقين بعين اعتبار فضل شرفهم رضي الله عنهم.
وقد توفي الشيخ يوم الاثنين الثاني عشر من رجب سنة اثنتين وتسعين وألف، وصلي عليه بجامع الزيتونة ودفن بجبل الفتح من الزلاج.