يا فاضلاً حاز الفخارَ ذكاؤه ... فله بحل المشكلات تكفُّلُ
لازال ربع الدرس مأهولاً بكم ... ولكم بنشرٍ للعلُومِ تجمّل
أَغْمِد سيوفَ الصدِّ والأعراض عن ... خلٍّ وفيٍّ ما عراه تنقل
ثم السلام من أربعين م وخُمسها ح ... مع أربعين م وعشرها لا يبطل
يُهدى لسيدنا الذي أعنيه في ... نظمٍ بديعٍ بالمحاسن يرفل
من سدس عشر الثاني ضف لثلاثة ... أخماسَ سدس العشر الأول يحصل
وأنسب لآخر أولاً أيضاً وقل ... أخماس رباع لخمس يافُلُ
والسدس من ثانٍ أخيرِ ثم في ... حُسنٍ به صدر المفاخر يكمُل
فأجابه الشيخ "حسن الشريف" من شعره بقوله: [الكامل]
لك في المعالي المكرماتُ الكمّلُ ... وسواك من تلك المآثر أعزلُ
ولمثْلِكَ الهممُ التي أدنى مرا ... تبها لها فوق الثريا منزل
ذو راحة قد كنت أحسب أنها ... غيثٌ ولكنْ هذه لا تمْحل
خبرٌ إذا جالت قرائحه على ... حلِّ العويص أطاعهن المُشكِل
أوجفْتَ خيلَ ملامةٍ نحوي وقد ... سلسلتَ عتبَك وهو عذب سلسلُ
فطرِبتُ لمَّا أن تضمن ذكرهم ... وودته لو كان من ذا أطول
إني لعمرِي ما تركت زيارة ... لك من جفا أو كنت عنكم أعدِلُ
لكن علمْتَ لكثرة الشغب التي ... قد أذهلت يا ليت عذري يقبل
أتظن أن أسلُو ولو كاشفت عن ... ما بالضمير ظننت بي ما يجمُل
ورأيت فيه من الوفاء لكُم من ال ... مثل الذي ضربوه حق أمثلُ
فعزمت في يوم الخميس أزوركم ... وأنال من لقيَاكم ما آمَلُ
لازلت في أفق العُلا قمراً به ... هُدِيَ البرية ما ترنم بلبل
وعليك أزكى تحية ياذا العُلا ... ما صافحت زهر الحدائق شمأل
ولكمال براعته في حسن الإنشاء انتخبه الأمير حمودة باشا لخطة الكتابة، وقربه اهتماماً بشأن شرفه وخضه بأسراره حتى أحش منه كاتب سره يومئذ العزيزي فتجسس على بعض الأسرار المودعة عند الشيخ وأفشاها ناسباً روايتها إلى الشيخ الذي أمانته ينبو عنها مثل ذلك، لكن على كل حال اتخذ كاتب السر المذكور ذلك وسيلة للتنديد على الأمير في تقريب الشيخ حتى عزله الأمير من خطة الكتابة فكان عزله رحمة للعلم وأهله. وأصبح الشيخ يملي الدروس العلمية واجتمع عليه فحول العلماء حتى كان شيخ شيوخ العصر. وبعد برهة من عزله تحقق الأمير براءته مما نسب إليه، وعلم حقيقة ما جرى لديه، فبقي ينتظر ما يحسن أن يقدمه إليه، وهو ملازم للتدريس في معقول العلوم ومنقولها، مع فصاحة وحسن خلق، ولين مع التلامذة ومواظبة على الدروس، بحيث لا يتخلف إلا لعذر عظيم، وبذلك انتفع عليه كثير من فحول جامع الزيتونة لا يحصى لهم عدد، وكانت تلامذته لا يصبرون على مفارقة درسه وقد كان مريض سنة ست وعشرين ومائتين وألف. ولما أن عوفيَ من مرضه قدم إليه تلامذته وفي مقدمتهم الشاعر المُجيد الدراكة الوحيد الشيخ "قاسم بن كرم" وأنشده من رائق شعره البديع تهنئة لطيفة وهي قوله: [البسيط]
بشرى فذَا بارقُ الأفراحِ قد ومضا ... واشرق النْسُ وإنجاب الأسَى ومضَى
بالأمس كان الضحى كالليل حين دجا ... والآن أضحى الدجى مثل النهار أضا
أبدت محاسنها الدنيا وزينتها ... للناظرين، فأحمِدْ للمنى غرضا
وافى السرورُ ووفّى الأمنُ موعدَه ... والحمد لله أن دهر الأسى انقرضا
فهذه أنعمُ لله عمَّ بها ... كل العباد فكان الشكر مُفترضا
إذ الرضا الأشرف الأسى الهمام أبو ... محمدٍّ حسن من سُقمِه نهضَا
ذاك الذي شرَّف الله العبادَ به ... فصاغه جوهرا مذ صانه عرضا
فلم نجد منه بُدّا لا ولا بدلا ... فيهم ولم نلفِ عنه منهُم عوضا
علا على طائر النسرين مرتفعا ... إذا نراه جناحا للورى خفضا
مولّى إلى اللهو لم ينفض قط ول ... كن من يديه أمانِي النفس قد نفضا
وحفَّظ الله في سر وفي علنٍ ... وما ثنى الجد عن كسب الثنا حفضا
هو المعانيُّ مع فرط الحجا وبه ... طرْفُ العلا في بحار الجد كم ركضا
يأيّها الأعلم الأعلى الأجل ومن ... له بكل كمال ذو الجلال قضى