فكان أكرم مخلوق وأشرف من ... مشى على الأرض أو من في صما ومضا
شفاك ربُّك من داء الجهالة يش ... في العالمين وثوب السقم عنك نَضا
أضنى بصحتك الله العباد وفي ... قلوبهم مرض قد زادهم قرضا
يهنيك يا سيدي هذا الشفاء وإن ... كان به أبدا شانيكمُ جرضا
إن غض ذو الجهل طرفاً عن سناك فلا ... غروٌ فذا النور نار للبغيض غضا
تالله ما ضدّكم آل النبي سوى ... مضلل تائه، عنه الهدى رفضا
تفديك من كل مكروه نفوسٌ فتى ... سر الإله عليه حبكم فرضا
كم أبرد البرء من صدر وأثلجه ... فكان قبلاً يحاكي حره الرمَضَا
أحيا النفوسَ ورد البؤسَ طالعُه ... يا حبذا فرفي منه الضنا حبضا
يا أفضل الناس لكن ليس أفضل للتش ... ريك فافخر بفضل ليس معترضا
وابسط يمينك كي تُشفى الشفاهُ بها ... يا من على المجد والعليا بها قبضا
لازلت ملجأ ذي الجلَّى إليك على ... أن ليس إلاَّك إن ما حادث نقضا
فكم أمَطّتَ أذى في العين كان قذى ... وفادحا جللا جليت إذ بهضا
إليك حجَّتْ ذوو الحاجات وانصرفوا ... وكلُّهم وطراً مما يروم قضى
كذا لكل المهمات الهمام فلا ... سواك أمرأهمَّ المرءَ إذ عرضا
بنيت للدين والدنيا بناءَهما ... يهدي إليك لنيل الحامل الغرضا
قد أقرض الله قرضاً عنده حسنا ... منْ في محاسنكم شعراً له قرضا
حق علينا لكم حق الوفاء به ... وحقِّكم ليس مَن أوفى كمَنْ نقضا
ألستَ سِبْط النبي المجتبى كرما ... من خالص النصح كل الخلق قد محضا
صلى وسلم مولاه عليه كما ... يحبه وعليهم مع مزيدِ رضا
وكان له صلابة في الحق وغيرة على حقوق الله بلغت غايتها.
اتفق له في بعض الأيام أن كان قادماً لجامع الزيتونة قبل الظهر ولما قرب من زاوية الشيخ سيدي أحمد بن عروس وجد جندياً من الترك ماسكاً بأطراف بنت وهي تستغيث ولا يتجرأ أحد على افتكاكها من يده فوقف الشيخ ونهاه فلم ينته فألقى برنسه وهجم عليه وأيده الله فافتك منه البنت وخلى سبيلها وأمسكه وسار به إلى الدريبة والناس من خلفه، ولما قرب من الدريبة تعرضت له الحوانب لأخذ الجندي من يده فلم يسلمه إلاّ بين يدي الدولاتلي وأخبره بالقصة ورجع الشيخ إلى الجامع لإقراء دروسه فكتب الدولاتلي بذلك إلى الأمير حمودة باشا فأرسل الأمير في الحين مكتوباً بخط يده يأمره بخنق الجندي بالقصبة. وما هاته بأولى غيرته وهمته الهاشمية عليه من الله أزكى التحية.
ولم يزل ملازماً للتدريس إلى أن توفي الإمام البكري رضي الله عنه أواخر جمادى الأولى سنة سبع وعشرين ومائتين وألف فقدمه الأمير حمودة باشا إماماً أكبر بجامع الزيتونة، فزان المحراب والمنبر بعلمه وعمله وفصاحته، وخطب من إنشائه خطباً رائقة أطنب فيها ما شاء وأبدع، وجمعها ديواناً في غاية النفاسة ما زال يتداوله خطباء تونس.
وعلى عهده توفي الإمام الثاني الشيخ "الطاهر بن مسعود" فقدم الأمير محمود باشا الشيخ "عمر بن المؤدب" إماماً ثانياً، والشيخ "محمود بن علي محسن" إماماً ثالثاً أواخر صفر الخير سنة أربع وثلاثين. ولم يزل الإمام الأكبر صاحب الترجمة قائماً بأعباء خطة الإمامة الكبرى وملازماً للتدريس بجامع الزيتونة مع التأليف بما تخلد في صدور الرجال وبطون الأوراق ومع ذلك لما توفي الشيخ "سويسي" في ذي القعدة الحرام سنة اثنتين وثلاثين قدمه المولى محمود باشا باي إلى خطة الإفتاء فصار مفتياً ثانياً وزان الخطة المذكورة، وأفاد المستفتين وتحرى لدينه.