فقرأ النحو على عالم عصره الشيخ "حمزة الجباس" كان يقرأ عليه في حانوت الإشهاد كتاب المغني لابن هام. وكان الشيخ يقرىء بدون نسخة وتلميذه يظن أنه نظر قبل حضوره حتى اتفق له ذات يوم أن اختلف تقرير الشيخ مع ما في نسخة التلميذ، ولما سرد عليه محل الاختلاف شك الشيخ في تحريف نسخة تلميذه فأمره أن يقوم إلى مرفع هنالك عليه كتب الشيخ قد سترتها الغبرة، وقال له! نظن أن نسختي في هذا المرفع فقام التلميذ فوجدها متلاصقة الأوراق بالزاج، فإذا هي الصحيحة والأمر فيها كما قرره علي تطاول عهده به. وكان الشيخ حمزة المذكور مفرد علم العربية. وقد توفي سنة سبع عشرة ومائتين وألف، ودفن بالزلاج، وأرخ وفاته الشيخ "قاسم بن كرم" بقوله: [الكامل]
أما الحياة فتلك ظل زائلُ ... تخفي الشموس وكل بدر آفلُ
طوبى لمن طابت يقينا نفسُه ... فاختار أخراه وذاك العاقل
هذا أبو يعلى المعلَّى حمزة ال ... جباس أستاذ الأنام الكامل
قد أبعد الدنيا الدنيئة إذ دنا ... من ذي الجلال فنال ما هو آمل
فهو المتوج منه بالرضوان تش ... رسيفاً وفي حلل السعادة رافل
مولى بتقوى الله مغرى قلبه ... وبعلمه والله يشهد عامل
أنسى (إياساً) في الذكاء وعنده ... (سحبان وائل) في الفصاحة (باقل)
تبدي بسلك الدرس كل نفيسة ... ما إن لها من ناقد بل ناقل
تبدي لمنتجع الهدى غيث الندى ... ويشيم برق السؤل منها السائل
درسَت ربوع العلم بعد دروسه ... والروض يبلى أن عداه الوابل
فلطالما أجلى دجى جهل كما ... ينجاب بالحق المبين الباط
وتحلت العليا بعقد وجوده ... واليوم جيد المجد منه عاطل
ولذاك لما أدى مضى أرخته: ... مات الرضا الملجا الهمام الفاضل
[ ... ١٢١٧ ... ] [الشيخ صالح الكواش] وقرأ أيضاً صاحب الترجمة على الشيخ "صالح الكواش" وهو عالم البلد على الإطلاق، الورع الصالح صاحب العلَم الخفاق، أبو الفلاح صالح بن حسين بن محمد الكافي. قدم جده محمد من بلد الكاف إلى تونس بعد المائة والألف ونقل عن الشيخ أن نسبهم ينتهي إلى الشيخ سيدي عبد السلام بن مشيش لن ألي لكربن علي بن حرمة بن عيسى بن سلام بن المزوار بن حيدرة بن محمد بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو شريف حسني. وكان ارتحالهم من المغرب إلى الكاف، ومنها تنقل محمد الكافي إلى تونس، ونشأ بها ولده حسين في تعاطي الفلاحة وحج بيت الله الحرام. وكان كواشاً في كوشة سيدي المشرف. وقد ازداد ولده ليلاً في ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائة وألف وكان في زراعة له، فسمع تلك الليلة هاتفاً ينادي. يا صالح (ثلاثاً) ولما رجع إلى أهله وعلم بازدياد ولده سماه صالحاً واعتنى به في حفظ القرآن، فظهرت له نجابة كان بها مؤدبه يملي عليه ما يمكنه فيحفظه بالإعادة مرتين أو ثلاثاً، واتفق له في صغره أن مر على الشيخ عبد الله أبي العظام، فسقاه لبناً حامضاً امتلأ به حتى خشي عليه، وكان الشيخ "عبد الله المغربي" يقول له: يا شيخ المشرق والمغرب، فتوفي والده وتركه وعمره أربع عشرة سنة وتوجه إلى خدمة العلم الشريف، وقرأ بجامع الزيتونة على فحول العلماء فقرأ الأزهرية على الشيخ حسونة الترجمان، وقرأ علم الكلام والمنطق وقطعة من شرح العقائد النسفية بجميع حواشيه على الشيخ "محمد الغرياني" محشي الخبيصي، وقرأ على الشيخ "عبد الكبير الشريف" والشيخ "حمودة الريكلي" والشيخ "أحمد اللعلاع" والشيخ "محمد المنصوري" شارح المختصر الخليلي شرحاً يبلغ