للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا ليت أنَّك والمنى ممنوعةٌ ... تلوي على نقض الذي أبرمته

لمْ تألُ في سوقِ الخيار إلى الردى ... يا ليت شعري هل بذا أكرمته؟

أفلمْ يغب بغروب شمس محمدَّ ... فضلٌ سما عن أن تكون علمته؟

والعلمُ لو كانت لقلبك رقةٌ ... لبكيته من بعده ورحمته

يا من إلى نور الكتاب وسرَّه ... يسعى لقد أخفقت فيما رمته

(كشافُ) أسرارِ البلاغة قد مضى ... ولسان (تلخيص) البيانِ عدمته

من للكلام إذا يدوَّن فخرهُ ... منْ مبطلٍ شبه الضلال كلمته؟

ومتى أتى بوساوسٍ متفلسفٌ ... أرهقته وهدى الإله أقمته

ولوَ أن أفلاطون ساعده اللقا ... لدرى بأن العلم ما علَّمته

يا محييَ (الإحيا) ليهنك مغنمٌ ... عمرٌ بإحياء العلوم ختمته

لهفي عليك ولستُ فيه بمفرد ... يا مفرداً جمع الكلام نظمته

شمس بفاسٍ أشرقتْ وبتونسٍ ... غربت فيا أسفا عليك ضرمته

قسماً بمن أعطاك خلقاً كاملاً ... وثبات حلم في الأمور عزمته

لو تفتدى لفداك من تحت السما ... وبقيت حيا ما تشاء أقمته

لكنَّ ما تلقاه من حسن القرى ... خيرٌ وأبقى والذي قدمته

فله دعا داعي الورى فأجبته ... وجميل ظنك بالرجا أحكمته

والله أحرى أن ينبلك كلَّ ما ... بجميل ظنك في الضمير كتمته

وحرٍ لمجدك أن يناديَ زائر ... ومؤرخ: وا رمسُ كيف ضممته

فكانت قراءة الشيخ إبراهيم على هؤلاء الفحول جد واجتهاد، أتى بها على فنون من المعقول بلغ فيها غاية المراد، وأخذ بها عنهم أعالي الكتب التي بلغ بها العلم إلى أعلى الرتب، وقد قرأ أيضاً على الشيخ "عمر المحجوب" والشيخ "حسن الشريف" والشيخ "إسماعيل التميمي" والشيخ "الطاهر بن مسعود" وغيرهم من علماء الحاضرة التونسية إلى أن ظهر عليه فضل العلم والعمل، وبلغ من تحصيله غاية الأمل، وأجازه الشيوخ فتصدر للتدريس، وشهد الخاصة له بالفخر النفيس.

قيل: إن الشيخ "الطاهر بن مسعود" كان يقرئ مختصر السعد في جامع الزيتونة وتلميذه صاحب الترجمة كان يقرئ المختصر المذكور أيضاً بطرف الجامع، فاتفق أن سكنت زماجر العلماء، فسكت الشيخ الطاهر في أثناء درسه فسمع تلميذه المذكور يقرئ سمعه حصة ثم قال لمن حوله: ما أحوجنا أن يحضر جميعنا في هذا الدرس، مشيراً إلى درس تلميذه الشيخ إبراهيم وكفى بذلك له شهادة في مبدأ أمره.

وأما معارفه الربانية وطرق وصوله إليها فإنه قد أخذ عدة طرق وانتهى إلى الطريقة الشاذلية سالكاً في ذلك مسلك أستاذه العارف بالله الشريف الشيخ البشير ابن عبد الرحمن بن السعدي بن محمد بن أبي القاسم بن الحبيب بن العابد بن أبي عبد الله بن محمد بن عيسى بن عبد الكريم بن عبد الله بن محمد بن عبد السلام بن مشيش رضى الله عنه وعن آله، وكان باراً بأستاذه المذكور ملازماً لخدمته وهو يدخله بيته بدون إذن مستنزله منزلة ابنه وهو يستمد به المعارف الربانية والأسرار حسبما تدل على ذلك استغاثته الرجزية في برء أستاذه المذكور التي قال فيها بعد توسلات كثيرة: [الرجز]

ثم بذاك الجاه والقدر الكبير ... نسأل في شفاء شيخنا البشير

وفي آخرها يقول:

ويسأل الناظم إبراهيم ... محبة بسكرها يهيم

والعطف من شيخ الصفا البشير ... والجمع في اليقظة بالبشير

صلّى وسلّم عليهِ الله ... ما لا يفي العد بمنتهاه

ثم إنه في سنة ست عشرة ومائتين وألف رأى من عناية الله به في نومه أنه دخل جامع الزيتونة فوجد به رجلاً مغربياً بين يديه محفل وكتاب متنه أكثر من شرحه وأنه قال له: يا شيخ إبراهيم عليك بالطريقة الأحمدية، ولم يسبق له في ذلك سابق، ولما دخل جامع الزيتونة من الغد تذكر الرؤيا فنظر فإذا الرجل الذي رآه في النوم جالس على تلك الحالة في الموضع الذي رآه فيه، فقصده وبمجرد رؤيته له ضحك، وقال له: أجلس يا شيخ إبراهيم فرأى آية كبرى من المعرفة بالله والصلاح، وإذا هو العارف الشيخ أبو الحسن على حرازم أحد أصحاب الشيخ أحمد التجاني رضى الله عنهم فأعلمه أن ذلك منتهى سفره وأنه قدم من المغرب فطلب منه أن ينزل عنده في بيته بمدرسة بئر الحجار، فنزل عنده.

<<  <   >  >>