ولم تزل الكرامات تظهر على الشيخ حرازم حتى اتفق في بعض الليالي أن أيقظه وقال له: قم واطلب من اله ما تريد فكتب مطالب بلغ بها غاية الآمال، في جميع الأعمال، وقد وقفت على تقييدها منقولاً من خطه، وهذا نصه: ١ طلبت من الله تعالى دوام رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك ولا تلبيس.
٢ وطلبت عليك يا رب التصرف بالاسم الأعظم.
٣ وطلبت عليك يا رب المعرفة لك التامة على أن تكون مقاماً لا حالاً.
٤ وطلبت عليك يا رب معرفة الكيميا ونتائج عملها بسهولة.
٥ وطلبت عليك يا رب أن لا تتولاني بعجزي عن أن أتولاك.
٦ وطلبت عليك يا رب امرأة على وفق المراد على سبيل الدوام.
٧ وأبناء صالحين.
٨ وعمراً طويلاً بالخير معموراً بالطاعة.
٩ ومشيخة في علمي الظاهر والباطن على وفق ما يرضيك ويرضى رسولك.
١٠ وأن تغني قلبي وكفي.
١١ وأن تسخر لي الروحانية والجن والإنس.
١٢ وأن تبلغني في الآخرة والدنيا ما يليق بكرمك مما لا نعلمه ولا ندري كيف نسألك إياه.
١٣ وأن تفهمني عنك فهماً حقيقياً.
١٤ والموت على الإيمان الكامل.
وقد أجاب الله مطالبه، وقضى له مآربه، حتى حصل على سعادة الدارين، ولم يزل رضى الله عنه في اتباع الشيخ مدة طويلة حتى خشي من ملازمته، وتوقع أن يعتريه الحال فطلب من الشيخ أن يقيل عثاره فأخذه الشيخ وضمه إلى صدره وستره بثوبه، قيل: أنه عند ذلك رأى جميع ما كان ويكون، ثم أطلقه واستدعاه للطريقة الأحمدية التجانية فقال له: يا سيدي نرجو أن تتركني إلى أن نستأذن أستاذي فأجابه لذلك وعند ذلك ذهب إلى دار أستاذه الشيخ البشير، وكان من عادته الدخول بدون إذن وبمجرد قرعه للباب خرجت له أمة واستوقفته إلى أن تستأذن عنه وبعد برهة خرجت وقالت له: إن الشيخ يسلم عليك ويقول لك: تمم ما أتيت من اجله، فأخذ ذلك الإذن منه وتلقى الطريقة التجانية عن إذن شيخه العارف بالله من الشيخ العارف بالله، وابتدر إلى مدح الشيخ علي حرازم بقصيدة جليلة نال بها جائزة جميلة، قد أثبتها في أثناء ديباجة غراء ذكر فيها اجتماعه بهذا الأستاذ وأخذه عنه هذه الطريقة ووظائفها من الذكر وبعض فضائلها المنقولة عن مظهرها الشيخ أحمد التجاني، وهذا نصها: الحمد لله الذي من علينا بالاجتماع، مع شيخنا الإمام العلم الهمام رأس العارفين بلا نزاع، وقطب الواصلين بلا دفاع، ولي الله الذي هو في مراقبة الله وعبادته، مولانا ووسيلتنا إلى الله سيدي الحاج علي حرازم أبقى الله وجوده ونوره لائح الأسرار، وسره ساطع الأنوار، بحرمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، فأخذنا عنه والمنة لله الطريقة التجانية المنسوبة لشيخه أمير الأولياء، وخاصة الأصفياء الأظهر، العارف الأكبر، والكهف الأفخر، مركز دائرة المختر بن أحمد بن سالم، العالم المشهور حفظ الله علاه، ولا زال بعين الرضا من مولاه، أواسط جمادى الأولى من شهور سنة ١٢١٦ (ست عشرة ومائتين وألف) فأجازني في الورد والوظيفة.. وهنا ذكر الورد والوظيفة وبعض فضائلهما.
ولما اشتد به وجدي، ولم يطق حمل أعباء شوقي ومحنتي به جهدي، أنشدته إنشاد الهائم، وأنشأت له قصيدة مطرزة ببعض شمائله، ولم أخف فيه لومة لائم، فقلت، وعلى فيض سره عولت:
كرمَ الزمانُ وله يكن بكريمِ ... وصفا فكان على الصَّفاء نديمي
وأفاض من نعمٍ عليَّ سوابغا ... لله يشكرها فمي وصميمي
عظمت على الشعر البليغ وربما ... عجز الثناءُ عن الوفا بعظيم
وأجلها نظري إلى (ابن حرازم) ... وتمتعي من وجهه بنعيم
وتلذذي من خلقه بمحاسن ... وتنعُّمي من خلقه بنسيم
وتعرُّفي من عرفه بعوارفٍ ... ومعارفٍ ولطائفٍ وفهومِ
وتعزُّزي يتذلُّلي لجماله ... وتشرفي من نعله المخدوم
ذاك الذي حملت خزائن سرَّه ... ما لو بدا لارتاب كل حليم
وهو الذي منح المعارف فارتقى ... منها لأرفعِ سرَّها المكتوم
وهو الذي جعلت أسرَّةُ وجهه ... مرآة إسعاد وبرء سقيم
وهو الذي نال الرضا من ربه ... وبنيله إن شاء غير ملوم
وهو الذي أذن الرسول بوصله ... وأمدَّه من عنده بعلوم