وهو الذي (التيجاني) أودع سره ... فيه وخصَّ مقامه بعموم
وهو الذي وهو الذي وهو الذي ... وهو الذي معناهُ غيرُ مروم
عظمت لديه مواهبٌ أضحت لها ... هممُ الورى تسعى بكل سليم
وسعت محبَّته إلى أرواحهم ... فهي الغذاء لراحلِ ومقيمِ
يا سيدي، ولكمْ دعوت لسي ... حتى عرفتك فاستبنتُ رجومي
وعلمت أني كنت أرقمُ في الهوا ... وأسيرُ خلفي والشفاء نديمي
هل أنت كاشفُ كربتي فلقد سطتْ ... وطغت عليَّ وساوسي وهمومي؟
هل أنت راحمُ شقوتي فتريحني ... فخيارُ أهلِ الله خيرُ رحيم؟
هل منقذٌ من قد تحير لم يجد ... من مسعد بجلا الهموم زعيم؟
فارحم دموعاً قد رأتك عيونها ... فتكرمت باللؤلؤ المنظوم
وجوانحاً جعلتك في سودائها ... وقد اصطلت وتكلَّمتْ بكلوم
وجوارحاً ضرعتْ إليك يقودها ... أصلٌ عظيمُ الشأن غيرُ هضيم
وسرائراً لو أنَّها بليت لما ... وجدت سوى شرقٍ إليك أليمِ
ومتيماً لولا التذكر لم يكن ... بمجدَّدِ الأشواق غير رميم
لا تقطعنْ أملي وقد وجَّهته ... يسعى إليك وأنت خيرُ كريم
وقد اتخذتك في الأنام وسيلة ... وتوسلي بهواك غيرُ فصيم
وجعلت حبَّي عند فضلك ذمّةً ... وتذممي بعلاك غيرُ ذميم
ورجوت من ربي بفضلك ما أنا ... أصبحت من معناه غيرَ عديم
يا مسندي يا مقصدي يا سيدي ... يا منجدي يا موئلي وحميمي
أنت الذي ربي اصطفاك لسرَّه ... وحباك من فضلٍ عليك عميمِ
فلك الهناءُ فأنت سلطان الورى ... وليّ الهناءُ بأن تقولَ خديمي
ورسوله أولاك ما اعترفت به ... لك أهل سرَّ الله بالتقديم
فسلام ربك كلما هّبت صبا ... يغشاك طيب مزاجه المختوم
فلما أنشدت بين يديه، وقد اعتراه من الحال ما لا يذكر، وأسبل من الدمع ما هو من الوبل أغزر، فقال: هلم بمحبرة وقرطاس، ودفع بخطه المشرف والناس جلاس، يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: جزاك الله عني وعن نفسك خيراً، ولك مني المحبوبية ومن الله جل جلاله واتصل حبك بعروتي لا انفصام له ولك من الله ومني الرضا بما مدحت به خديمي والحق أنك مدحتني لأنه مني وإلي ولك مني الرضا التام ولك بذلك معارف وأنوار وسرور والسلام عليك ورحمة الله.
فكان صاحب الترجمة هو أول من تلقى الطريقة التجانية بحاضرة تونس، وتعلق بها ونشرها، وأقام أورادها، وأسس لذلك زاويته الشهيرة قرب حوانيت عاشور، وارتقى من ذلك إلى معارج الفتح والشغف بالحضرة النبوية، وحسبه من الفخر ما أبدعه وأجاده وهو "النرجسة العنبرية في الصلاة على خير البرية" وهي من أعز الصلوات البليغة التي كلمت بأعز صيغة، ولعزة هاته الصلاة التزمت إثباتها في تاريخ مفاخره المشهورة، وآيات فضله المشكورة وهذا نصها: "الحمد لله فاتح خزائن الجبروت، في حضرة غياهب تجلي اللاهوت، والصلاة والسلام على سيدنا محمد مرآة الذات والأسماء والنعوت، وعلى آله الكارعين في حياض سر الناسوت".
أما بعد فهذه صلوات جيدات أنوارها قد أشرقت فيها من الأسرار ما لا عين رأت ولا أذن سمعت سميتها "النرجسية في الصلاة على خير البرية"، قصدت بذلك خدمة حضرة سيد الوجود، ومعدن الحقائق والشهود، صلى الله عليه وعلى آله جبالي الدين الشوامخ، وأصوله الرواسي الرواسخ.
بسم الله الرحمن الرحيم "إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".
لبيك اللهم ربي وسعديك، امتثالاً لأمرك، ومحبة لرسولك، وتعظيماً لقدره، وتشبثاً بأذياله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.