إلهي وسيدي ومولاي هب لسيدنا محمد أجلَّ ما تهب من التقريب، وامنحه أكبر ما تمنحه أهل التحبب والتحبيب، وزده مما يليق بواسع عطائك، ما لا يعلمه أحد من ملائكتك وأنبيائك، واجمع البالغة تدق عن أنظار الأذكياء، وقدرتك القاهرة التي لا يتعاصى عليها في الأرض ولا في السماء، إنك على كل شيء قدير.
[الطويل]
وعدتَ الذي يدعو وها أنا سيدي ... دعوتك مضطرَّا وأنت سميعُ
وحقَّقتُ يأسي من سواك لفقره ... وجئتك محتاجاً فكيف أضيعُ
وناديت والآمال فيك قويةٌ ... وقلبيَ من ضرب الذنوب وجيعُ
وفي علمي سقمٌ وعلمي شهوةٌ ... وفي الصدر روعٌ للحساب مروع
أتطردني عن باب فضلك سيدي ... وروضك للعافي الفقير مريع؟
وكيفَ يرى ظني لديك مخيباً ... وعندي على طردي إليك رجوع
وهل لي من مولى سواك أرمه ... تعاليت، وصلى من سواك قطيع
وأيَّ نوالٍ غير فضلك يرتجى ... وأي حمى إلاَّ حماك منيع
لئن حجتني عن نوالك زلة ... تلظت لها مني حش وضلوع
وأخلدني منها إلى الأرض شهوةً ... وقهقرني وجدٌ بها وولوعُ
فما بيدي حول ولا لي حيلة ... سوى أنني نحو الدعاء سريع
بإذنك توفيقي، وفضلك واسع ... إذا لم توفقني فكيف أطيع؟
أسوَّف بالإقلاع قلباً مقلَّباً ... وعالم حلم منك فيك طموع
وقد صدَّني عن ذاك قلب مغفَّل ... له كل يوم في هواه وقوع
عسى سعة وافت على حين شدة ... وقد يرتجى بعد الغروب طلوع
ولم يزل الشيخ إبراهيم بعد سفر الشيخ حرازم لشيخ تربيته الشيخ البشير رضى الله عنهم أجمعين مع ملازمة زيارته والرجوع إليه في قليل الأمر وجليله، ورأى من عناية الله به ما بلغ به أمله وكم له من خواطر ربانية ظهرت عليه، ومن عنوان ذلك قصيدته النومية التي أنشأها في حال منامه وأملاها في يقظته من حفظه وهي قوله: [البسيط المخلع]
الحمد لله وهو حسبي ... وفاز من حسبه الحسيبُ
يختص منْ شاء لا بشيء ... إلاّ بجودٍ، لهُ صبيب
ثم الصلاة على المنيا ... وآدم طينه لزيبُ
والآل والصحب والموالي ... من كل في الهدى نجيب
وبعد يا خالقي فإني ... أدعو بكل الذي تجيب
أن تجمع الشمل وهو فرق ... يجمعه المصطفى الحبيب
الفاتح الخاتم المرجَّى ... لساعة هولها مشيب
السيد الكامل المعلَّى ... الطاهر الطَّيبُ المطيب
كنزُ الكمال الذي لكلَّ ... وإن علا قدره نصيبُ
منْ مدحه في الكتاب يتلى ... ماذا عسى يمدح الأديب
هو الرؤوف ويا رحيمٌ ... ما غير وصلك لي طبيب
إن لم تدارك حليف سقم ... فعيشه بعد ذا غريب
هذا بكاء بدا مديحاً ... وذا اشتياق وذا نحيب
عليك من ذي العلا صلاةٌ ... لا ينذوي غصنه الرطيب
وقد كان ملازماً للتدريس غير أن دنياه ضاقت عليه، وسئم سكنى المدرسة وتطلب التزوج فعزم على الخروج من الحاضرة لعله يجد ما يبلغ به أمله في أي أرض من بلاد الله، وعند ذلك تداركه صاحب الخيرات يوسف صاحب الطابع فثبطه عن السفر، وأخذ له داراً جهزها له بجميع ما تحتاج إليه من الأثاث والفرش وزجه وأجرى عليه من عوارفه ما هو أهل له ليبقى زينة للبلاد وبذلك سكن خاطر الشيخ وأقام على بث العلم في صدور الرجال.
ولما وقعت مجاعة سنة سبع عشرة التزم الأمير حمودة باشا أن يستمير السطنة الغربية فتخير وفداً كان الشيخ في أولهم لطلب ذلك من السلطان الشريف مولاي سليمان بن محمد رضى الله عنه، فخرج الشيخ في السفر لما ذكر سنة ثماني عشرة ومائتين وألف واستصحب معه مكتوباً بديعاً إلى وزير الدولة السلطانية من أستاذ العالم الشريف الشيخ عمر المحجوب قاضي الحضرة يومئذ وهذا نصه: