للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقام الذي اهتصر من العلوم غصونها، واقتطف من البدائع أزهارها وعيونها، وسام من رياض البلاغة فنونها، وفجر من ينابيع البراعة معينها، الخير الأرضي، العلامة الأحظى، والمحتلي من الفضائل والفواضل بالردائ الأضفى، مقام اخينا في الله الشيخ سيدي عبد القادر بن شقرون، لا زال ميمون الطائر في الحركة والسكون، ولا برح محمود المساعي، مخصب المراعي، ووراء التحية المتعطرة بذكراه، والسلام الذي يفوح لنشره برياه، والبث الذي أعوزه حسن لقياه، لولا التعلل بإطالة محياه، إنا لنحمد إليكم الله تعالى الذي جلت الآؤه، وغمرتنا على كل حال نعماؤه، ونفذ حكمه وقضاؤه، لم نظعن عن معاهد المودة، ولم نبرح عن الثناء على مقامكم من تلك المدة، ونسائل عنكم الركبان القادمين إلينا، ونبحث عن أنبائكم من السفر المجازين علينا، رعياً لأوشاج العلم والأدب، ومبرة للسلسلة التي هي أصح من سلسلة النسب فننثني من أخباركم بما ينشط القلب والألباب، ويستخلص من الحمد والشكر خالص اللباب، وإنكم بحمد الله تعالى على الحالة التي يرتضيها كمالكم، وتبتسم بالإعجاب بها آمالنا وآمالكم، تحت الإيالة التي نسأل الله تعالى أن لا يقلص عن المسلمين ظلالها، وأن يسوغكم زلالها، وإلى هذا نعرفكم عرفكم الله عوارفه، وأسبغ عليكم من الفضل مطارفه، ان حضرة إفريقية حاطها الله بعنايته الكافية، وأسبغ على أهليها رداء العفو والعافية، قد أعوزها الخصب في الأعوام المنفصلة، وتوالى عليها الجدب في سنين متصلة، لا سيما هذه السنة الشهبا، فإنها تلونت لأهلها تلون الحربا، وما كشفت النقاب عن عوارها، ولا أوضحت لهم مكنون إعسارها، لكون الزرع قد استغلظ واستوى على سوقه، ولاحت لهم من الخصب واضحات بروقه، فما راع القوم إلاَّ إخلاف أنوائها، وتجهم أشد من الصحو لسمائها، قضاء من الله تعالى مقدراً، وحكماً سابقاً في أم الكتاب مدبراً، ولم يجد القوم ملاذاً من هذا الأمر، ولا مفزعاً لأن يكشف الله سبحانه عنهم هذا الضر، إلا انهما أنفذوا الأنفار المذكرورين أعلاه للمشهور الأفخم، والنادي الأعظم، حضرة مولانا السلطان الشريف، ذي القدر المنيف، أعز الله سلطانه، وحرس بعين العناية أرجاءه وأركانه، وهؤلاء القوم وإن كان بأيديهم مكتوب من أميرنا الباشي أيده الله تعالى في طلب ابتياع الميرة من ممالك مولانا السلطان نصره الله تعالى إلا انهم في الحقيقة وفد هذا الرعيل من جماعة المسلمين، أوفدهم على حضرة السلطان ممتارين قائلين: "مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين"، ولا جرم أنهم أصابوا المرمى واستبصروا، حين فزعوا لحضرة مولانا السلطان واقتصروا، وبهمته العالية على القحط استنصروا، وأرسلوا الأنفار المذكورين وفداً لطلب الميرة وانتظروا، ونعرفكم بأن الأول منهم هو الفقيه المتفنن البراع أبو اسحق سي إبراهيم الرياحي من نجباء الطلبة الذين أخذوا عنا، وميزه تحصيله بمزيد الوصية عليه منا، ولعلكم إن شاء الله إذا بلوتم نجابته واستنفصتم كنانته تحمدون في العلوم ذكاءه، وترضون توغله في معارجها وارتقاءه، لكنه ربما يتعسر عليه فيما هو بصدد سفارته الإنتاج، ويجهد على علله الأدواء والعلاج، فالمطلوب من مقامكم ووافر عزكم واحترامكم أن تكون لهؤلاء الوفد معيناً، وأن تقر لنا ولهم بمعونتك عيناً، وتهديهم للظفر بالمقصود سواء السبيل، وتوضح لهم كيفية الإنتاج في هذا الأمر على التفصيل، حتى تترتب لهم الأقيسة المنتجة، وتنفتح الأبواب المرتجة، ولكم مزيد الدعاء بألسنة الخصوص والعموم، والثناء بدلالة المنطوق والمفهوم، والثواب الجزيل في اصطناع المعروف، وإغاثة الملهوف، والله تعالى يبقيكم ومن طوارق الزمان يقيكم ولا زال ظل مولانا السلطان ممدوداً، وإرفاده محموداً، وقطره مقصوداً، وبره معموداً مصموداً، بمنه وكرمه والسلام.

ولما بلغ الشيخ إلى حاضرة فاس، لاقى من إقبال فضلائها ما تعطرت له به الأنفاس، وقدم للحضرة العلوية السلطانية قصيدته الشهيرة التي هي من أعز كلمه، وقد وقفت عليها وعلى مواليتها مرقومتين بلسان قلمه فقال: [الكامل]

إنْ عزَّ من خير الأنام مزار ... فلنا بزورة نجله استبشارُ

أوليس نور المصطفى بجبينه ... كالشمس يظهر نورها الأقمارُ

<<  <   >  >>