للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو ما ترنم منشدٌ بحلاكم ... وتزينت بحلاكم الأذكار

ثم الصلاة على النبيْ وآله ... ما ناف لي بمديحكم مقدار

قال الناظم: "ولما أنشدت بين يديه أيده الله بنصره ارتاب بعض الحاضرين في مجلسه أن يكون ناظمها هو العبد الفقير إذ رأى شدة وقوعها الموقع العزيز من قلب الممدوح زاده الله عزاً ونصراً فجاءني بعض كتابه وأخبرني وقال دفع هذا الريب أن تنظم قصيدة في اتفاق غريب وقع لمولانا السلطان خلد الله ملكه وذلك انه وقف يوماً في إقرائه للتفسير على قوله تعالى: (وأعلموا أنما غنمتم) الآية صباحاً فاتفق أن جاءته غنيمة في مساء ذلك اليوم وتبارت الشعراء في البيان عن هذا الغرض العجيب والاتفاق الغريب، فإذا أحسنت في البيان عن هذا الشأن، ارتفع الريب وحسبت من فرسان هذا الميدان، فقلت معرضاً، ولخيام الشك مقوضاً: [الطويل]

دلائلُ فضل الله فينا تترجم ... وإن غفلت عنها طوائف نوَّمُ

ومن أكبر النعمى ولايةُ منْ له ... علينا وفينا حكمة وتحكُّم

تلطف في إخفائها متستَّراً ... ومن كلمت فيه الولاية يكتم

ولما أراد الله إظهار سرّه ... جرى الأمرُ في الإظهار من حيث يعلم

ألم تغتنم وقت المساء وغدوةً ... بدا الوقفُ في التفسير آية: "واعلموا"

ليدري صحيح الذوق أن مليكنا ... له في طريق الكشف نهج مقوم

وأن لنا فيما قضاه مغانماً ... فعجَّل ذي بدءا لما هو أعظم

فلا زالت الأيام تخدم سهده ... ولا زال مثلي في علاه ينظَّمُ

وأنشدت بين يديه أيضاً ولإثر إنشادها وقعت منه أبقاه الله وحفظه العطيةُ الجميلة والجائزة الجليلة، فجزاه الله الرضوان الأكبر الذي لا انقطاع لسببه، وجعل الخلافة كلمة باقية في عقبه". ا. هـ?.

ثم غن المولى السلطان الرشيف أجاب طليبته وقضى حاجته على أحسن حال وحصل من ذلك على الغنيمة الوافرة، وعظمت سعادة سفارته المذكورة بالاجتماع مع القطب الرباني الشيخ احمد التجاني رضي الله عنه فأناله من الأسرار والكرامات ما هو أهل له، وقدمه لطريقته، وعدّ بذلك في أصحاب الشيخ الفائزين بمفازه رضي الله عنهم وعن سائر أولياء الله أجمعين أخبر أنه عند وصوله إلى حاضرة فاس قصد على البديهة دار الشيخ، ولما استفتح الباب سألته خادم: هل أنت إبراهيم التونسي؟ فقال: نعم، فأدخلته، واجتمع هنالك بالشيخ العربي، والشيخ علي التماسيني، والشيخ علي حرازم، وغيرهم ممن فاز بحضرة الشيخ، ثم قدم إليه قدح من لبن فشرب جميعه، ثم أقبل الشيخ من خلوته يعلوه غبار سفر، وبعد أن قبل تحية زائره قال له: عظم الله أجرك في شيخك الشيخ صالح الكواش، فقد كنا الآن في جنازته، فيكون ذلك اليوم هو يوم الاثنين السابع عشر من شوال سنة ثماني عشرة ومائتين وألف، وقد أعلمه الشيخ بعد ذلك بما سيلاقيه من الحضرة العلوية السلطانية وأرشده إلى ما فيه سداده.

ولم يزل يتردد عليه مدة إقامته إلى أنن حصل على جميع آماله، مع نجاح أعماله، وفي آخر مدة إقامته قال له الشيخ، أقم عندنا أحداً وعشرين يوماً أخر، وأنا نبلغك إلى زيارة ضريح سيدي أبي الحسن أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه غير أنه لما قضى أمره الذي توجه فيه لم تمكنه زيادة الإقامة فاعتذر إليه وفاز بمغانمه السرية، والمالية والميرية، التي نالها من هذا السفر، الذي لاقى به كل يمن وظفر، وعظمت بذلك وصلته بالحضرة السلطانية العلوية، ولذلك تلا مديحها أن قام عليه أبناء عمه فظهر النفاق في السلطنة وظفر السلطان بالقائم عليه فهنأه الشيخ إبراهيم الرياحي بقصيدة بديعة وهي قوله: [الكامل]

بشرى الورى بلأمن بعد مخاف ... وقفوا به في موقف الأعراف

قرت به عينُ الهدى أما الهوى ... فلحزنه حزنت بنو الإرجاف

أغفت جفون الرشد ثم تنَّبهت ... بلطائفٍ قد كنَّ تحت سجاف

ما صحّ لولا ذاك في حق امرئٍ ... رؤيا سليمان بعين خلاف

وهو الذي عمّ البرية فضله ... فأحاط بالدنيا إحاطة قاف

والدين في عزَّ به والناسُ من ... بركاته في جنةٍ ألفاف

قل للمغارب: هل جهلت كماله ... وكماله في الكون ليس بخاف

أضحكت سنَّ الشرق إذا أبكيت في ... ما قد أتيت مدامع الإنصاف

<<  <   >  >>