للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعري أفراس الصبا ورواحله

"والله سبحانه يقابل جميعاً بالعفو، ويسامحنا فيما ارتكبناه من اللغو. والسلام" أ. هـ? أما رجوع الشيخ ابراهيم الرياحي من سفارته، فقد شاد له أعلى المفاخر في ذاته وإدارته. إذ حسن موقع حسن مساعيه لدى الأمير والمأمور، وعد ذلك من السعي المشكور، وأضاف الشيخ بذلك لنفسه مفاخر، عاد بها بحر حسن ذكره في أهل العلم زاخراً.

ولما عزل أستاذه الشيخ عمر المحجوب من خططه استدعاه الأمير حمودة باشا لخطة قضاء الحضرة وأكرهه عليها بعد شدة امتناعه، فقبل الخطة ووليها صبيحة يوم السبت منسلخ صفر الخير سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف وقبل التهنئة من الخاصة والعامة وقد سأله الشيخ حمد بن الخوجة القاضي الحنفي يومئذ عما أعده من الكتب للخطة فقال له: أعددت كتاب ابن رحال فعجب منه حيث أن ابن رحال له شرح على المختصر الخليلي، وهو يسأله عن كتب النوازل التي جرى العمل بما فيها بين القضاة بحاضرة تونس. لكن من الغد كشف الغيب على أن الشيخ خرج إلى زاوية تلميذه الشيخ محمد بن ملوكة خارج باب القرجاني فبات بها وأصبح مرتحلاً إلى زغوان ونزل بزاوية الشيخ سيدي علي عزوز رضي الله عنه فراراً من الخطة. فلم يكن اعتماده إلا على ابن رحال وأقام بزغوان إلى ان أولى الأمير الشيخ اسماعيل التميمي قاضياً بالحضرة فعاد عند ذلك إلى الحاضرة وثبت على طريقته في بث العلم، وانتفع خلق كثير بما أقرأه من الكتب. وعند وفاة أستاذه الشيخ محمد الفاسي تقدم عوضه للتدريس بجامع يوسف صاحب الطابع مع مشيخة مدرسته، وأقام درسي تفسير القاضي البيضاوي وصححي البخاري، وحضرهما كثير من علماء تلامذته.

ولما قدم إلى حاضرة تونس الشيخ الطاهر بن عبد الصادق أحد تلامذة الشيخ أحمد التجاني سنة ثمان وثلاثين استصحب معه الشيخ ابراهيم الرياحي في رجوعه، فسافر صحبته إلى تماسين للاجتماع بالخليفة في الطريقة التجانية، الشيخ الحاج علي التماسيني رضي الله عنهم أجمعين.فزار في طريقه مدينة القيروان وقطع الصحراء، ووصل إلى تماسين، واجتمع بالخليفة وطلب منه مداواة أمراض النفس الباطنية فنال منه الدواء الناجع، والسر النافع، ورجع محصلاً على المراد، من حسن الإمداد، وخرج لحج بيت الله الحرام يوم السبت الثاني عشر من جمادى الثانية سنة إحدى وأربعين وامتحن في طريقه بفرقة من الإغريق اعترضوا المركب الذي ركبه الشيخ واستأسروا المركب وقادوه معهم فأخذ الشيخ يذكر "سيجعل الله بعد عسر يسرا"، "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" فتداركهم الله برحمة من عنده، ونجاهم بسبب ريح عاصف فرق ما بين المركبين، وحال بينهما الموج. وفي عشية الواقعة على الشيخ ظهر على أستاذه الشيخ البشير حال عظيم منع به الداخلين عليه وصرح في آخر أمره بالتأسف على ابن تربيته، حتى ظن الحاضرون وفاته وكادوا أن يياسوا من قدومه وانجلى الغيب عن الواقعة المذكورة ولما قضى نسكه رجع إلى حاضرة تونس ثاني عيد الفطر سنة اثنين وأربعين ومائتين وألف واتخذ العلماء مقدمه عيداً وهنأه تلميذه الوزير المؤرخ الشيخ أحمد بن أبي الضياف بقصيدة من مبادي شعره، وهي قوله: [الطويل]

قدمتَ وتفدى بالنفوس مع الأهلِ ... كما جاء درُّ الغيث في الزمنِ المحل

وإلا كما جاء المراد لطالب ... وإلاَّ كسيف الجدِّ في منهج الهزل

وإلاّ كما بانت وجوهُ بشائرٍ ... تخلِّصُ غرقي في بحارٍ من الوحلِ

وإلا كصبح الوصل أشرق نوره ... فأذهبَ ليلاً قد تبدي من العزل

بعدنا عن التشبيه جهلاً وإنما ... لرؤية ابراهيمَ فضلٌ على الكل

فكيف ودر العلم قد جاءَ بحرهُ ... وهل لمجيء البحر تبصرُ من مثل؟

ففي حادث اليام بعد أوانه ... فكيف أرى الأيام في غاية البخل

سرى ذكره كالنيِّرين معطراً ... وعمّ جميع النا طراً بلا مهل

وسار لبيت الله والعزُّ متبعٌ ... وشدد بالتقوى شديدَ ذرى النزل

فحصَّل من تلك البقاع مغانماً ... مفاتيح فتح لا ترام ولا تملي

وجاد على الأقطار من وبل علمه ... فأينع غصن العلم من ذلك الوبل

وقد شرف الأمحار أخمص رجله ... ولله من عز حوته من الرِّجلِ

<<  <   >  >>