وخلَّف من زهر الثناء مناسماً ... يفوح شذاها في رياضٍ من القول
وآب كما آب الزمان لأهله ... وقد زادَ بالأضعاف فضلاً على مفضل
فكان لنا عيدانِ عيدُ قدومه ... وعيدٌ لختم الصوم فأعجب لذا الشمل
فهذا إمام الدين أقبل غانماً ... ليهتز بالأفراح منْ كان ذا عقل
ولو نظرتْ عيناك يوم قدومه ... رأيتَ ثغورَ الأرض تبسمُ بالفعل
ألا أيها المولى الذي حسناته ... تزيد على الأمواج والقطر والرمل
هنيئاً لجند العلم أقبل نصرهُ ... وبشِّرْ جنودَ الجهل بالطعن والقتل
بقيت على رغمِ الحسودِ معظَّماً ... وطيبُ شذا علياك أحلى من الوصلِ
ولاقاك كل اليمن والخير حيثما ... قدمت وتفدى بالنفوس مع الأهل
ولما توفي أستاذه رئيس أهل الشورى من المفاتي المالكية الشيخ اسماعيل التميمي طلبه الأمير حسين باشا باي قدس الله روحه، فأحضره بباردو، وأراد أن يقلده الرئاسة المذكورة ابتداءً ليزين الخطة الشرعية بعلمه وعمله، فامتنع من ذلك كل الامتناع، إلى أن قامت عليه شهادة في تعين الخطة عليه، وذلك أن الأمير لما أعياه أمره، وجه لمراودته لسان دولته وكاتب سره، فخاطبه لسان الدولة الشيخ محمد الأصرم بقوله: إن الخطة متعينة عليك، فكيف يسوغ لك عدم قبولها، فقال له الشيخ: ومن يشهد معك بتعين الخطة علي؟ فشهد بذلك كاتب السر الشيخ أحمد بن أبي الضياف فقال الأمير: هل قبلت شهادتهما؟ فقال له: نعم، وعند ذلك قبل الخطة المذكورة، ولبس رادءها. وعند خروجه من مجلس الأمير ألقى على الأرض الكابة السوداء من أعلى كتفيه، لما فيها من الحرير. وكان ذلك أواخر جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف.
وتقدم بذلك على المفتي الثاني الشيخ محمد المحجوب، والمفتي الثالث الشيخ الشاذلي بن المؤدب، وقاضي الحضرة الشيخ محمد البحري، وقاضي باردو المولى الجد الشيخ محمد السنوسي. ولم يتغير واحد منهم لتقدمه رضي الله عنهم أجمعين.
وقد هنأه بالخطة المذكورة تلميذه الشيخ محمد بن سلامة بقوله: [الكامل]
يا سعد لمْ قد طال فيك الموعد ... ووثيق عهدك دائماً يتجددُ
كم علَّلتني منْ عهودك نسمةٌ ... إن صادفت مني الرجا يتوقَّد
عهدي بأن الدهر قد باع الكرى ... وله غداً ثمن المبيع الإثمد
كيف التخلص من خوادع مكره ... وبلوغك الآمال فيمن تسعد
بشرى بني هذا الزمان بمنةٍ ... شأن الزمان بمثلها لا ينجد
شتان بين صنيعه فيما نرى ... ووقوع أمرٍ مثلهُ مستبعد
ما كنت أحسب قبله حتى بدا ... أنَّ الجفون من الليالي ترقد
فكأنه غض الجفون بمهجة ... من بعد ما قال طال منه تسهُّد
فزهت من الإنصاف ورق ذوي العلا ... وصفا من الأكدار شربٌ يوردُ
ولقي البرية ما لقت من غرة ... من ذي الولاية أنعم لا تجحدُ
مذ قيل قد لبس الرئاسةَ فاضلٌ ... جيد العلوم بفضله متقلد
وازداد في معنى الفتاوى مذ غدت ... تاجاً على هام الجلالة يعقد
يكفي المناصبَ عزةً في نيلها ... أنْ كفؤها دنيا وديناً أوحدُ
أعني أبا اسحاق منْ بذلت له ... مهر المعارف عكس ما قد يعهد
فسواه يلفي في الولاية رفعة ... وبه الولاية عزها يتأكَّد
خطبته عذرا خطبة من نفسها ... علمت بأنه كفؤها المتفرد
فلها الهناء وقد غدا في افقها ... شمساً لها غضَّ الجفونَ الأرمدُ
وهبتْ إليه المكرماتُ طريفها ... وتليدها وقفاً عليه يؤبَّد
دنيا العلوم وعالم الدنيا ومن ... سندُ العلوم إليه وهو المسند
أضحى بسلك العلم وسطي عقده ... وبه بدا علمُ السلوك ينضَّدُ
معنى البيان معنى فقهه ... وأصوله ركن إليه مشيَّد
شيخ الطريقة والحقيقة والهدى ... بحرُ المعارف والمعالي المزبدُ
ما جال في حرب العويصة فكرهُ ... إلاّ به جيش العويص يبدد
أوِ ما تشرَّد نافرٌ إلا غدا ... وجميعهُ رهنٌ لديه مقيَّد
الفاضلُ النحرير من داعي الهدى ... برشاده إن جاز عني مرشد
فاسعدْ به يا دهر إنّك عبده ... وأشرف به يا سعدُ إنَّك سيد