ولما شاعت فتنة الوهابي، ووردت رسالته إلى الحاضرة، كتب هو رسالة في الرد عليه حيث يقول بمنع زيارة الأولياء، وهدم المشاهد والزوايا، ة وتحريم ذبائحها إلى غير ذلك مما فتن به العباد. ولحسن هذه الرسالة في الرد عليه قرظها شيخ الإسلام البيرمي الثالث بقوله: [الكامل]
روض العلوم تدفقت أنهارهُ ... وتفتقت بعبيرها أزهارهُ
لرسالة فاقت على نظرائها ... ما فاق عن زهر السما أقماره
وانجاب عن وجه الصواب بما حوت ... من حسن تحقيقاتها أستاره
لم لا ومنشئها أبو اسحاق منْ ... بين الأفاضل لا يشق غباره
ذاك الذي قد جد في طلب العلا ... حتى علا بين الملا مقداره
فغذا وتحقيق العلوم شعاره ... وبدا وحل المشكلات دثاره
وبذاك تحريراته قد أنبأت ... والحبر من شهدت له آثاره
لازال في أوج المعالي راقياً ... ما انجاب عن ليل الشكوك نهاره
ولما وردت رسالة عالم مصر وصالحها الشيخ محمد النميلي التونسي الأصل التي سماها "الصوارم والأسنة" رد بها على الشيخ أحمد التجاني في بعض كتائبه في صفة الكلام من علم التوحيد انتصر الشيخ ابراهيم إلى أستاذه، وكتب رسالة في ذلك سماها "المبرد". لكن لما بلغت رسالة "المبرد" إلى الشيخ النميلي كتب في الرد عليها نحو خمسة وأربعين كراساً في علم الكلام. فير أنير لم أقف على كتابة واحد من الشيوخ الثلاثة في المسالة. وعهدي بأحد محققي شيوخنا رضي الله عنهم قرر لنا طرفاً من كلامهم في مدلول القرآن ومدلول صفة الكلام في درس العقائد النسفية. وغاية ما يمكن لي أن أقوله الآن في أمثالهم رضي الله عنهم أجمعين: إن كل واحد منهم إنما يتبع الحق، ويقصد تأييد مذهب أهل السنة على حسب ما يراه مما قامت عليه الأدلة عنده، سيما ومشرب الشيخ التجاني رضي الله عنه باطني، على أن كل العلماء راد ومردود عليه إلا صاحب القبر الشريف عليه الصلاة والسلام.
وقد بلغني أن الشيخ ابراهيم لما خرج إلى حجته الأخيرة، واجتاز على مصر، أقام بها نحو خمسة عشر يوماً يطلب الاجتماع بالشيخ النميلي، كما هو شان أمثالهما رضي الله عنهما ولما اطلع شيخ الإسلام البيرمي الثالث على رسالة "المبرد" كتب عليها مقرظاً بقوله: [الطويل]
أزهر تبدي نافحاً من كمائمِ ... أمِ الدُّرُّ منظوماً بنحر النواعمِ
تيقنت لا هذا ولا ذا وإنما ... جواهرُ علم صاغها فكرُ عالم
وذاك أبو اسحاق من عز أن يرى ... ضريبٌ له في العرب أو في الأعاجم
إمام غدا التحقيقُ طوع ذكائه ... يعدُّ إلى ذاك الذكا من لوازم
وناهيك ما أبداه في هذه التي ... غدت في يمين للعلا فصَّ خاتم
أتت بالتي لا مثلها من عجيبة ... تقاصر عن إدراكها كل فاهم
وأبدت من التحقيق ما جاء ناسخاً ... لليلٍ عريقٍ في الجهالة فاحم
فلا زال يأتي من جواهرِ لفظه ... ببرهان قطع للتشكك حاسم
ينظِّم منه الدر تاجاً ويزدهي ... ويغشى محياه طلاقة باسم
وله رسالة "دفع اللجاج في نازلة ابن الحاج" ألفمها حين خالفه قاضي الحضرة الشيخ محمد البحري في الناوزلة، ومع ذلك فإن الأمير مصطفى باشا رفع الخلاف بين الشيخين وأذن بالعمل بما رأه الشيخ القاضي، وقرظ الرسالة المذكورة ولده الشيخ علي الرياحي بقوله: [الطويل]
قطعت لجاج الحيف ميلاً إلى الحقِّ ... فأصبح نور الشرع نتضح الطُّرقِ
وقمتَ فبيَّنتَ الصواب فأنكروا ... ومالوا إلى الأهواء في واضح الحق
أينكرُ ضوء البدر عند كماله ... ويجحدُ نور الشمس لو لاح بالأفق؟
فلا زلت في الدنيا مؤيَّد شرعنا ... وجوزيت يوم الفصل بالمقعد الصدق
بجاه رسول الله خيرةِ رسله ... عليه صلاة الله ما دمت في الخلق
وقد تفاقم الخلاف في النازلة بين الشيخين وكثر فيها القيل والقال واختلف فيها ميل الناس حتى أنشد فيها المولى الجد الشيخ محمد السنوسي قاضي باردو يومئذ من شعره قوله: [الوافر]
إذا اختلفتْ على البحر الرياحُ ... فلا يرجى لراكبه نجاحُ
وساء لمت توسط بين هذا ... وهذا من مهالكه صباحُ
فللغرق المآل إذا تدانى ... وفي استعلائه كسر يتاح