يقال: إن المشير الأول أحمد باشا كان يقول: إنه لم يقتل والدي غير دعاء الشيخ ابراهيم، ولذلك كان يتحامى جانبه، ويجل مكانته، حتى إنه لما أراد أن يقدم خليطه العالم الشيخ محمد بن سلامة إلى خطة الفتيا لم يتجاسر على خطة الشيخ ابراهيم وأولاه مفتياً ثانياً فوق من عداه، وقد أحس الشيخ ابراهيم من ذلك حتى قال: شيئان لا يقعان في الدنيا؛ حفيدتي لا يتزوج بها ولد حفيز خوجة، وابن سلامة لا يقعد مقعدي.
وكانت حفيدته ابنه الشيخ الطيب أعطاها أبوها لأحد أبناء حفيز خوجة عن كره منه، فلم تمض مدة بعد مقاله ذلك، وإذا بالبنت توفيت قبل الزفاف.
وتقدم الشيخ محمد بن سلامة فتوفي قبله بسبعة وأربعين يوماً، قيل: إنه لما بلغه خبر وفاته قال: الآن طابت نفسي يعني للموت رحمة الله.
وقد تحيزه المشير المذكور سفيراً لدار الخلافة العثمانية على عهد المقدس السلطان محمود خان في طلب إعفاء الإمارة التونسية مما عينه عليها من الخراج السنوي الذي أرسل بطلبه، فسافر إلى الآستانة العلية صبيحة يوم السبت الثامن من ربيع الثاني سنة أربع وخمسين ومائتين ألف. واستصحب معه مكتوب المشير إلى الحضرة السلطانية، وهو من إنشاء كاتب سره الوزير المؤرخ الشيخ أحمد بن أبي الضياف. وهذا نصه: "اللهم بالثناء عليك، نتقرب إليك، يا فاتح أبواب القبول واقبال، ومانح المنح التي لا تمر شواردها على البال، لايقصد إلا وجهك بالنقاصد الزكية والأعمال، تنزهت في العظمة والجلال، ولم تول عبادك الإهمال، بمحض الرحمة والإفضال، فأقمت لهم خليفة تعرض عليه الأحوال، ويدفع عنهم بإعانتك الأرسال، ويسوسهم لصالحهم في الحال والمآل، صلى الله على سيدنا محمد خاتم الإرسال، والملجأ المنيع عند اشتداد الأزمة والأهوال، وعلى صحبه والآل، الذين ورثوه في الأقوال والأعمال، وسرت مكارمهم بهديه سري الأمثال.
ونستوهب منك عزاً لا يبلغ حده، ونصراً يمضي في الأعداء حده، لهذه الدولة العلية، والسلطنة العثمانية، والمملكة الخاقانية، التي ترفعت من الملة الحنيفية، وشيدت من معالمها بنياناً، وأقامت للحق قسطاساً وميزاناً، وورث ملوكها الأرض وهم الصالحون سلطاناً يتبع سلطاناً، حتى استنار الوجود بخليفة الوقت الموجود، وهو مولانا السلطان الأعظم محمود. اللهم أعنا على ما أوجبت له من فروض الطاعة، وتأدية الحق بجهد الاستطاعة، واحفظنا بعدله ورفقه من الإضاعة، واجعل الملك فيه وفي عقبه إلى قيام الساعة، وعطف قلبه لسماع هذه الضراعة، من إيالة تونس ومن بها من الجماعة، على لسان (أحمد) عبد خدمته، ورق نعمته، المقيم على طاعته فيها، والمجتني من ثمرتها ما يلزمها ويكفيها، وطاعة سلطانك فرض على أهل الأرض، وهي عند الله أنمى قرض، فإذا لم يعرض الحال لديك فعلى من العرض؟ وهذه عمالة تونس دار الجهاد، ومقر رعيتك والأجناد، ومرسى جواريك الأعلام، وموضع شعائر الإسلام، غريبة ببعدها عن استمطار أياديك الجسام، ومساحة أرضها مسير نحو الخمسة أيام.