شأن أهلها التمعش من الزيت والبر، والصوف والوبر، يعانون في تحصيلها ألم الحر والقر، هذا غالب ما يسد لهم الخلة، ويوجد غيره لكن على قلة، ومقدار زكاة ذلك لا محالة، بحسب اتساع العمالة، فما يفضل من خصبها فهو للقحط عدة، وبذلك دام عمرانها لهذه المدة، لا فضل من ذلك للترف، ولو في سبيل شرف، هذا معظم دخل القطر، إذا جادت السحب بالقطر. إذا جادت السحب بالقطر. ويلزمه ضرورة لإقامة عمرانه، وحماية أوطانه، وتأمين سكانه، وإصلاح مراسيه وبلدانه، حمادة وأجناد، في كل وجهة وبلاد. لتأمين الجبال والوهاد، وردع أهل الفساد، من العربان البواد، ويلزم العساكر الكسوة والإطعام، والمرتب على الدوام، ولابد لهذا العدد، من آلات وعدد، وقوام هذا المال، وهو السبب في عرض الحال، فإن الدخل على قدر الإنفاق، وذلك بشهادة الله غاية ما يطاق، ولو كلفنا الرعية بالمشاق، ونزعنا الرفق والإشفاق، يكون لهم ذريعة للنفاق، وسلماً للشقاق، وربما هرعوا للدولة العلية شيوخاً وولداناً، وكهولاً وشباناً، يسوقهم العجز ويقودهم الأمل، إلى من في طاعته النيات منا والعمل، فالسلطان ظل الله في أرضه يأوي إليه كل مظلوم، وهذا من الواضح المعلوم، وعبدك حسبه تأمين البلاد، وحفظها من طوارق الفساد، بما معه من الحماة والأجناد، سهرنا لإنامة أجفانها، وتعبنا لإراحة شيوخها وولدانها، واقتحمنا المخاوف لأمانها، وما تنتجه غلاتها تسد به خلاتها، وعلى هذه السيرة ولاتها، لايقتنون لأنفسهم مالاً، ولو بسطوا لذلك آمالاً، إلا ما يقتضيه الحال من العادات المألوفة، والمراسم المعروفة، يصدهم عن ذلك عدم اليسار، لا زهد الأبرار، والله المطلع على الأسرار.
وبما بلغنا من الإعلام، وبسط الكلام في هؤلاء الإسلام، يظهر للقائم بمصالح الأنام، أن لا قدرة لهذه الإيالة على أداء المال في كل عام، إذ المصروف في طاعة الله وطاعته، والله حسبنا في إهماله وإضاعته. هذه ضراعة رعيتك، المستمسكين بطاعتك، المستجيرين بحمايتك، المستنظرين لرحمتك وحنانتك، المرتجين لعنايتك وإعانتك، قمت بتبليغها بين يدي سلطنتك الخاقانية، وهمتك العثمانية، فتبليغها من الواجب في حقي، وهو ثمرة طاعتي وصدقي، والمأمول من تلك الهمة، النظر إلى بلادك بعين الرحمة، فإن هذا المال في خزائن الدولاة العلية عمرها الله لايزيد، وثقله على هذا القطر شديد، فارحم يا مولانا ضراعتنا، ولا تفرق بما لا نطيق جماعتنا، فإن الأمر جلل، وما قررناه من بعض الأسباب والعلل، وقد أعيتنا الحيل، فلم نجد إتمام الطلب إلا بتنقيص عمل، يفضي إلى نقص وخلل، أو تثقيل على الرعية يقطع الأمل، ويضعف بسبب ذلك هذا العمران، وتشتد الحاجة للاستمداد من مولانا السلطان، والله يجيرنا من حوادث الأزمان. وهذه العمالة وديعة تحت أقفاك، تلتجئ إلى همتك من إهمالك، وتنتشق من ريح عنايتك نفحة، وتترقب من محيا رضاك لمحة، هذه وسيلة من بعدت داره، ولم يجعل بيده اختياره، على لسان حاضرتك تونس، مع عمالها المونس، وصالح مصرها، وإمام عصرها، شيخ الجماعة ومفتيها، ومنفذ الشريعة وممضيها، الذي دانت له البلاد ببنيها، ونالت به الملة أقصى أمانيها، الساري ذكر تآليفه في جميع الأقطار والنواحي، الشيخ سيدي ابراهيم الرياحي، وجهته حالتنا وانتظرت، ومن سحائب رحمتك استمطرت، فإن العلماء ورثة الأنبياء، وأعلام الدنيا، وهداة الأمة، فعلى أيديهم تطلب الرحمة، وتدفع الخطوب المدلهمة، والدولة تأمرنا بإعزاز الدين وأهله، وتعظيم العلم ومحله.
اللهم أنت اعلم بنا منا، فلا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا، وارزقنا الرحمة من سلطاننا، وألهمه لإعانة أوطاننا، وأعنا على حوادث زماننا، إنك سميع قدير، وبالإجابة جدير، وكتب في أشرف الربيعين سنة ١٢٥٤ أربع وخمسين وألف ومائتين. أ. هـ?.
ولما بلغ الشيخ إلى دار الخلافة حصل له الاحتفال، ووقع تلقيه بالإجلال، وعظم لديه إكرام العلماء والأنجاد، وسره منظر البلاد، ولذلك أشد فيها قوله:[الكامل]
بلد الخلافة في الجمال فريدُ ... ولشأنه غرضٌ مداه بعيد
من ظن يحسنُ وصفه فكأمكما ... نحو الصعود إلى السماء يريد