للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأقول إني قد أجزت له الذي ... قد صحّ لي من تالد أو طارف

موصى لإبراهيمَ منه بدعوة ... يرجو الرياح بها أمان الخائف

وكتب إليه شيخ الإسلام المذكور بقوله: [الطويل]

جزى الله أستاذي جزاءً مضاعفاً ... ومتعه في جنّة الخلد بالنَّظرْ

وبلغه من فضله ما يرومه ... بحرمة طه الهاشمي سيد البشر

أيا سيدي إن المحب مقتصر ... بما مسّه في الجسم من شدة الضرر

ويرجو بظهر الغيب صالح دعوة ... لعلّ بها مولاه يكشف ذا الكدر

وذكراك لي فضلاً على حسب وعدكم ... ولا سيما والوعد دينٌ كما اشتهر

وكان قدومه إلى حاضرة تونس من دار الخلافة العثمانية يوم السادس عشر من شهر رجب الأصب سنة أربع وخمسين ومائتين وألف، وقد خلف في تلك الديار، صيتاً ملأ الأقطار، وغطى على الشمس في رابعة النهار، فتليت آيات فضله بين المغرب والمشرق، وأضحى كوكب مجده بكل فخر يلمع ويشرق، وقد كتب إليه في هذا المقدم الميمون تلميذه الشيخ محمد بن سلامة بقصيدة أرسلها إليه ايام إقامته بحلق الوادي في الكرنتينة قبل نزوله إلى الحاضرة. وهي قوله: [الوافر]

كتابي ناب عن تقبيل كفٍ ... براحةِ رحبها نلتُ ارتياحي

إذا قبلتْ ومدَّتْ عن قبول ... وحيتني بأنفاسِ "الرياحي"

وأزهر كاشري منها شميم ... نوافحُ نشره طيبُ النفاح

فأنعش عرفه روض الأماني ... وأخصب مزنه مرعى بطاحي

وساق صباها لي نصراً لبيرا ... فأبرا للضنا مبرا الرماح

لبست به المآمن خير درع ... غداةَ السُّقمِ جاهر بالكفاح

باراهيمَ أبراني اعتلال ... وسالمني على خفض الجناح

إمامَ العالمين إليك عذري ... بدا برهانه مثلَ الصباح

إذا ما الوصل بالأحشاء فرض ... ووصل الصوم من صور المباح

فما يجزي التخلف من مراضٍ ... ملاقاة الكثير من الصحاح

ولولا السقم سرت إليك حبواً ... ولكن شرعنا رفع الجناح

فيهنيك القدوم بخير أمن ... ويمنٍ تم في عقد الصلاح

أتيتَ بما فيه فرح البرايا ... وصير جاشها رحب المراح

وساعد حزمك المقدورُ لمّا ... صفا منك الضمير صفا القراح

مسايرة التوكل أي عون ... بها ذو العزم يهي للنجاح

ومن عرف الإله فلا يبالي ... لدى العزم الصحيح بقول لاح

عرفتَ الله أكبرَ كلِّ شيء ... فأكبرك الملوك على سماح

علمتَ بما علمت فكان معنى ... أمورك كلها نيل الرَّباح

فروضُ العلم يثمر كل خير ... وتقوى الله عنوان الفلاح

بما قد نلتُ من عمل وعلمٍ ... أعنّي بالدعاء على الصلاح

وأمطرْ من رضاك مجاح جسمي ... ليزهو جدبة بعد الكلاح

إلى مولى جليل، من ذهن فاتر كليل، رهين أسقامه، في لياليه وأيامه، لكنه مغفور الزلل إن كان مقبول العذر في كل مكان يقبل الكفين، ويستنشق شذا تينك الراحتين، بعد السلام الذي هو تحية الإسلام، ممن في اسمك له خير فال، كما في لقبه لمقامك دوام حال، هذا المأمول، وعلى الله تعالى القبول، والسلام.

ولما توفي الإمام الشريف الثاني تحرى المشير أحمد باشا باي فيمن يقدمه للخطة المذكورة، فقدم ابراهيم اتلرياحي غمام أكبر بجامع الزيتونة أواخر جمادى الثانية سنة خمس وخمسين ومائتين وألف، وتقدم بذلك على خليفة الجامع الشريف محمود محسن ونائبه الإمام الثالث الشيخ الشاذلي بن المؤدب، ولم يتغير واحد لتقدمه عليهما، وبذلك جمع بين الإمامة الكبرى بجامع الزيتونة ورئاسة الفتوى، ولم تجتمعا لأحد قبله، وقد هنأه تلميذه الموثق الفرضي الأديب الشيخ الحاج محمد بن يونس فقال: [الطويل]

أدرْ ذكرَ نعمانٍ وذكرَ غرامه ... فعرف الصَّبا أهدى إلينا خزامهُ

وأرَّجَ أرجاء البطاح بنشره ... وسجّع في رند العقيق حمامهُ

وهز غصون البان في دوحة النقا ... وأثر في الزهر الوسيم ابتسامهُ

ولاح المنى والوصل والدهر مسعد ... يرنِّح للغصن القويم قوامهُ

تمتع بذا واشرب مياه كجنَّة ... تنزَّهْ فوجه البشر حطَّ لثامهُ

وسرب العلا والفضل آنس أهله ... على باب ابراهيم ألقى خيامه

<<  <   >  >>