للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما اعتكافه على بث العلم في صدور الرجال، فقد بلغ منه إلى غاية الآمال، وانتفع يعلمه جميع علماء البلاد، حتى كان شيخ شيوخها في ذلك العصر، وأتى على أعالي الكتب ختماً بجامع الزيتونة وجامع صاحب الطابع وداره، إلى غير ذلك من الجهات التي كان يلازم التدريس فيها. وقد ختم صحيح البخاري بشرح القسطلاني بجامع يوسف صاحب الطابع، وكانت بداءته له عند تمام بناء الجامع سنة تسع وعشرين ومائتين وألف عند تقدمه لمشيخة مدرسته، وأقام على تدريسه أكثر من ثلاثين سنة إلى أن أتم ختمه بحضور ابنيته العالمين، ومن انضم إليهما من علماء تلامذته، وتبارى شعراء الدرس في مديحه في موكب الختام، وتناشدوا بدائع النظام، وقد وقفت على ديباجه من إنشاء طيب بنيه في هذا الختم الميمون، ولذلك رأيت أن أثبتها مع تلك القصائد التي ترزي بالدر المصون. ونصها: "حمداً لمن رفع مقام العلم وأهله، ووصل سبب انقطاعهم إليه بحبله، وأتم عليهم سابع النعمة بفضله، وصلاة وسلاماً دائمين متلازمين على فاتحة كتاب الوجود وأصله، وخاتمة أنبيائه ورسله، الجامع لخلال الكمال والمستولي على أمد خصله، وعلى آله وأصحابه الذين أكمل الله بهم دينه وجمع مفترق شمله.

وبعد، فلما كان ضحى يوم السبت العاشر من جمادى الثانية من عام واحد وستين ومائتين وألف، من الله بحضور مجلس ختم الجامع الصحيح للإمام البخاري بشرح الشيخ شهاب الدين القسطلاني، على أستاذنا علامة الزمان، ومنار الإيمان، شيخ الشيوخ، وبقية أهل الاجتهاد والرسوخ، الجامع بين الطريقة والحقيقة جمع أولي الصدق واليقين، ناصر الملة والدين، أبو اسحاق والدنا طيناً وديناً سيدنا ابراهيم الرياحي متع الله ببقائه، وأدام في أوج السعادة كمال ارتقائه. أ. هـ?.

وأما القصائد التي أنشدت في ذلك الموكب فأولاها من إنشاء ولده العالم الخطيب الشيخ الطيب الرياحي. وهي قوله: [الخفيف]

غرَّةُ السعد أسفرتْ بابتسام ... وتجلَّى نجمُ الهدى في تسام

والزمانُ المسيءُ تاب وأبدى ... لبنيه طرائفَ الإكرام

نسخ اليسرُ عسره مثل ما قد ... نسخ الصبيحُ آية الإظلام

وانبرت للمدى أماني نفوس ... كن أسرى حوادث الأيام

منن لم يجلن في الفكر لولا ... بركات المولى الجليل الهمام

ذلك السيد الإمام المرجَّى ... بسنا وجهه انسجام الغمام

صدر أعيان زمرة المجد حقاً ... وإمام الأيمة الأعلام

مالك العصر عالم المصر بالقص ... ر وشيخ الشيوخ بين الأنام

حائز السبق في مدى الفضل حاو ... في اقتسام العلى معلَّى السهام

عضد الدين (سعده) (ناصر الم ... لة) بالحق (حجة الإسلام)

نور عين الزمان علماً وحلماً ... وتقى في جلالة واحترام

حافظ السنة الزكية مبدٍ ... نورَ أسرارها بغير اكتتام

عمدة الفقه غاية السؤل فيه ... وشفاء الصدور في الأحكام

وتقاريره الرياض ولكن ... تثمر الدُّرَّ في يد الأفهام

تتسامى درى المنابر منه ... ومحاريبها بخير إمام

ليس إلا بذهنه تسمع الص ... م وتحيا بصائرُ الأغتام

ليس إلاّ بذهنه تتجلَّى ... نكتُ العلم في دجى الأوهام

ليس إلا بلفظه العذب تتلى ... سورُ الذكر في دياجي الظلام

ليس إلا به اقتناء المزايا ... واقتباس الهدى وبرءُ السقام

عالةً أصبح الأنام عليه ... طاعة النقض منه والإبرام

خضعت عنده الرقاب بما قد ... طوقتها يداه بالإنعام

منةٌ لا تزال تدري وتروى ... لولاة الطروس والأقلام

لا ترى غير مهتدٍ بهداه ... أو محبَّ أو لائذ بذمام

يا إماماً حواه بردُ المعالي ... وردا الفضل قبل عهد الفطام

يا سميَّ الخليل يا وارث الرأفة ... والحلم من حلاه العظام

قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ ... دد والفضل والندى من مسام

ففداء لشسع نعلبيك قوم ... ولدوا في العلى لغير تمام

وهنيئاً لك المفاز يختم ... للبخاري حديث طه التهامي

جاء بشرى لكم بإقبال فتح ... ووصول إلى قصيّ المرام

ولنا منه والبرية طراً ... أي رحمى ونعمة واغتنام

<<  <   >  >>