وقرظ هاته القصيدة الداركة النحرير، وعلم الفتيا الشهير، المؤلف المشكور، الشريف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، بقوله: [الطويل]
أحنُّ وأصبو كلما هبَّ من نجد ... نسيم برياه يفوق شذا النَّدِ
يمثل لي تلك الأباطح والربى ... وعهداً مضى يا حبذا ذاك من عهد
فهاج لي الشوق الأثيل ولم اكن ... سلوت ولكن زاد وجداً على وجد
سقى الغيث هاتيك الخيام وأهلها ... وإن أضمروا هجري ومرُّوا على الصَّدَّ
لهمْ مني الحب الصدوق ومنهمُ ... على مرّ أيام النوى كاذبُ الوعد
أيا حادياً يحدو المطيَّ مرنما ... ترفق إذا ما جئت حيَّ بني سعد
بلغت المنى بلَّغ إلى غاية المنى ... تحية صبَّ في لهيب من الصد
وناد إلى ليلى وقل صادق الهوى ... مقيم على ما تعهدين من الود
زريه ولو بالطيف في سنة الكرى ... نعم ما الكرى يستام مقلة ذي سهد
بكمتُ لساني يوم حمّ فراقها ... فلم يجر في مضمار مهل ولا عقد
وأصممتُ سمعي بعد طيب حديثها ... وليس استماعي فير ذاك من الرشد
فاسمعني بالقهر قول مبشَّرٍ ... تبلَّج في أفق العلا طالع السَّعد
تطلَّبتُ ما تحت البشارة فانجلت ... لوامعُ درَّ في بهيَّ من العقد
كؤوسٌ من الراح الحلال ياديرها ... على حانة الأسماع "نابغة الجعدي"
تضوَّع منها المسك لمّا تضمنت ... أحاديث فخرٍ عمّ من غير ما حدَّ
ختامٌ به الخضراء فازت وهكذا ... بفضل أبي إسحاق تسمو إلى الخلد
فخار بني الدنيا وذخر ذوي التقى ... وأعلمِ من تحت السماء بلا جحد
مآثره سارت سرى الشمس في الملا ... مفاخره من دونها منتهى العدّ
له الله من ختم وددت لو أنني ... بذلت له ما كان عندي من جهد
وإن فاتني ذاك الفخار فإنني ... علقت من العلياء بالجوهر الفرد
أبا الحسن الأسنى إليك خريدةً ... من السحر إلا أنها خالص النقد
خدمت بها علياك دامت بجودها ... وذلك عند الألمعي غايةُ القصد
ولما ختم شرح السعد التفتازاني على تلخيص القزويني، هنأه أحد تلامذة الدرس، وهو شيخ الإسلام الشيخ محمد بيرم الرابع، بقوله: [الكامل]
جسمي بأشواق المحبة صالِ ... متفرَّق الأعضاء والأوصالِ
والنفسُ مني قد غدت مشتاقةً ... ترجو لذيذَ مودةٍ ووصال
والوجد زاد لبارق قد بان من حي الحبة منتهى الآمال
والدمع جاد بوابلٍ من مقلة ... ليست تحل بكثرة الإرسال
يا عاذلي هوَّنْ عليَّ فإنني ... لا عذل ينفعني بكل مقال
إني شغفتُ بحب ذات فواترٍ ... تعني بما تبدي عن الجريال
فالقد غصنُ البان غار لحسنه ... والوجه فيه بديع كل جمال
رامت تضاهي حسنها شمسُ الضحى ... فتداركت ما قدج جرى في الحال
تلك التي قد أشعلت نار الهوى ... بفؤاد صب للقا محتال
وهي التي تركت ميتم حسنها ... في حبها متراكم الأهوال
وسبتهُ نفساً ما لها ذنب سوى ... تأميلها لتآلف ووصال
عجباً لها أتسوءه ولقد غدا ... متشبثاً بحواشي الأذيال
أذيال إبراهيم من قد أعلنت ... بمديحه كل الورى بكمال
ذاك الإمام العالم العلمُ الذي ... لم يأتنا دهر له بمثال
فبه لتونس مفخرٌ ولنا به ... فخرٌ عظيم لا يقاس بحال
وبمثله الأقطار تفخر إذ غدا ... يجبني لعزٍ صالحَ الأمال
وله محال ترتجي مثلاً له ... قمر السما في العز والإجلال
كشَّاف ما خفيتْ مسالك نيله ... مغني الأنام ومعدنُ الإفضال
يلقى بثغر باسم كلَّ الورى ... وتحية تأتي بكلِ مقال
إن رمت وصف مجالس لإمامنا ... غيث العلوم ومبلغ الآمال
فأقول فيه وإنني لمقصر ... كالليث حف بمعظم الأشبال
يا سيداً قد حلّ كل عويصة ... بذكائه وبذهنه السيال
هذا الختام لقد أتاك مبشَّراً ... بدوام سعدٍ مشرقٍ متلالِ
فلقد سررت بمجلس لقدومه ... ولقد شرفت به على الأمثال
وأروم يا مولاي تجديد المنى ... تكسوه لي من حلةٍ الإفصال