وصبرٌ حاول الأسواء حتى ... علاها، فاستعاذت، بانهزام
ألا لله نفس جشمتها ... مخامرةُ العلى همم سوامِ
وفي كف الحضائر أسلمتها ... عزائم تنبري مثل السهام
تقول أفيك للتقصير عذر ... وأنت ابن المفدَّى بالأنام
أبي إسحاق فائدة الليالي ... وبهجتها وواسطة النظام
همام أغربت فيه المعالي ... تقدّمه المعارفُ كالإمام
أغر الوجه وضاح السجايا ... بريء العرض من عيب ودام
ولو قسمت مكارمه البرايا ... فقدنا في الورى صنف اللئام
إذا استبق الكرام مدى رهان ... بدا وهو المجلّى في الكرام
أو اقتسموا على خطط المزايا ... يكون له المعلّى في السهام
غدا المثلَ الشرود تقى وعلماً ... وحلماً في وقار واحترام
تناسينا به ذكر ابن قيس ... ومعروفٍ ومالك الإمام
تسامى للعلا طفلاً معنّى ... بكسب العلم لا كسب الحطام
فأحرز في الكمالِ مقامَ صدق ... تضاءلَ دونه بدرُ التمام
وأصبحَ منه هذا الدين يسمُو ... بعزَّ حمى تاجٍ فوقَ هام
وسيفٍ بالهدى أمسى محلَّى ... وبالعرفان أضحى ذا اتسام
بهمته تزول ذرى الرواسي ... وتنهلُّ الغمائمُ في انسجام
عذيري من أعاديه إذا لم ... يهابوا سطوة اللَّيث المحامي
ألمَّا يذعنوا لما تحدَّى ... يوازون الشوامخ بالإكام
وراموا أن يدانوه فكانوا ... مكان المنسمين من السَّنام
أمولى نعمتي وعماد مجدي ... ويا سندي ويا كلَّ المرام
إليك عقود أمداح جلاها ... صناع الفكر في حسن انتظام
خدمت بها مقامك يوم ختم ... يفوقُ عبيرهُ مسكَ الختام
أدرتَ به علينا كأسَ علم ... دهاقاً جزجه سحرُ الكلام
وحلَّيت النفوس بحلي فضلٍ ... به تزدان ما بين الأنام
ألا إنّ "المحلَّي" لو رآه ... لأعجب من فوائدك الجسام
ونال كتابه عنكم وأمسى ... يفاخر منك بالشيخ الهمام
فملَّئت الهنا فيه وفيما ... يليه، وما يليه إلى القيام
تسر بما تروح به الأعادي ... وتغدو في مساورة الحمام
ودمت وأنمت في شرفٍ وأمن ... دوام الركن فينا والمقام
وقرظ هاته القصيدة أخوه الشيخ علي الرياحي، بقوله: [الوافر]
أهذا الفجرُ أم بدرُ التمام ... أم المشمسُ العديمة للغمامِ؟
أم الوجه المهلل من فتاة ... تراءت في محاسنها العظامِ؟
إذا ما أعرضت يوماً بصدَّ ... تجر العالمين إلى الحمام
إذا ما أتحفتك بريق ثغر ... يخال الريق من رشف المدام
تحاكي البان قدَّا إذ تبدت ... وتحكي السحرَ في لطف الكلام
لعمرك ما وجدت لها سلوَّا ... سوى جمع الجواهر من إمام
سراج العلم والتقوى تناهت ... إليه المكرمات بلا اكتتام
إذا ما فكرهُ أبدى مقالاً ... فإن القول ما قالت حذام
إليك الفكر قد اهدى مديحاً ... يقابل بالقبول لدى الكرام
ويرعى الله مجدك كل حين ... دوامَ الدّهرِ من غير انفصام
وأجابه عن هذا التقريظ أخوه الممدوح الشيخ الطيب الرياحي، بقوله: [الوافر]
أناطتْ إذ أماطت باللثامِ ... بأقمار الدُّجى سمةَ احتشام
عقيلةُ فتنةِ الألباب أزرت ... بدائعها بأزهار الكمام
أعيذ جمالها من كل شوب ... معاذ كمالها من كل ذام
شهدت بأنّ منجبها عليٌّ ... عزيزُ المثل ما بين الأنام
وكيف يكون مذموم المساعي ... فتى ينميه قطبُ رحى الكرام
أدام الله طود علاه فينا ... وصانك يا هلالُ إلى التمام
وقد كتب رضي الله عنه في علم النحو حاشية على شرح الفاكهي لقطر ابن هشام، ترزي مباحثها بحسن الابتسام، في ثغور الأيام، وقد سلك فيها أغواراً دقيقة، وأبدع فيها تحقيقه، مع سهولة مأخذها الذي سهل به صعاب المسائل أي تسهيل، وأغنى بالتصريح فيها عن ارتكاب التأويل، فكان بها كشاف أسرار العربية، ورافع أستار المشكلات النحوية، تدل بما أودع فيها على ماله في العلوم من اليد الطولى، والغايات التي نال إليها وصولاً.