للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما قوله: «تقطع أعلى الجلدة التي كعُرْف الدِّيك» فصواب ودقيق، وهذه قُلْفَة البظر وقطعها من أجل الطهارة أيضًا كما هو الحال في الرجال، وإنما غاب هذا المعنى عن علمائنا لصغر حجمها، فلم يتخيلوا أنه يتراكم تحتها إفرازات ضارة، فبحثوا عن حكمة للختان فظن بعضهم أنه لتقليل الشهوة حصرًا. ونص الحديث: «أنْضَر للوَجْه وأحْظَى للزَّوْج» يفيد غير ما ذكروا-رحمهم الله.

ولنراجع حديث رسول الله ثانية حتى تطمئن نفوسنا لما اخترناه:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للخاتنة: «اخفِضي ولا تُنْهِكي؛ فإنه أنْضَرُ للوَجْه وأحْظَى عند الزَّوْج» (١). وفي روايات: «أشمي».

والإشمام هو قطع الشيء اليسير جدًّا، قال ابن مَنْظُور: «وأَشَمَّ الحَجَّامُ الخِتانَ، والخافضةُ البَظْرَ: أَخذا منهما قليلا. وفي حديث النبي، أَنه قال لأُم عطية: «إِذا خَفَضْتِ فَأَشمِّي ولا تَنْهَكي؛ فإِنه أَضْوأُ للوَجْه وأَحْظَى لها عند الزَّوْج» قوله: ولا تَنْهكي: أَي لا تأْخذي من البَظْرِ كثيرًا، شبه القطع اليسير بإِشمام الرائحة، والنَّهْك بالمبالغة فيه، أَي اقطعي بعضَ النَّواةِ ولا تستأْصليها» (٢).

ونحن نوافق على ما ذكر أولًا ونختلف معه -رحمه الله- في قوله «والخافضة البظر» و «اقطعي بعض النواة» بل إن هناك جلدة فوق البظر وليست منه. وإنما تترك النواة


(١) «الحاكم» كتاب المناقب، باب ذكر الضَّحَّاك بن قيس الأكبر (٣/ ٦٠٣)؛ و «سُنَن أبي دَاوُد» في الأدب، باب ما جاء في الختان (٤/ ٣٦٨). وحسنه ابن حَجَر في «هِدَايَة الرُّواة» (٤/ ٢٤٥) كما ذكر في المقدمة؛ والهَيْثَمِيّ في «مَجْمَع الزَّوَائد» (٥/ ١٧٢)؛ وصححه الألبَانِيّ بطرقه في «صَحِيح الجَامِع» برقم ٢٣٦؛ وضعفه أبو داود في سننه (٤/ ٣٦٨)؛ والعِرَاقِيّ في «تخريج الإحياء» (١/ ٩١)؛ وقال ابن المُلَقِّن في «البَدْر المُنِير» (٨/ ٧٤٩): يروى من طرق، ولكنه ضعفه. ولعل الصواب أنه حسن بمجموع طرقه وشواهده.
(٢) «لِسَان العَرَب» لابن مَنْظُور (١٢/ ٣٢٦).

<<  <   >  >>