للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن» فهل يعني ذلك أنه لو حكم الأطباء أن الجسم لم يعد صالحًا بصفة نهائية لقبول أي أثر من آثار الروح التي تميز حياة الإنسان عن حياة النبات كالعلم والإرادة، نقول عندها بوفاة الإنسان؟ وإن بقيت بعض علامات الحياة الجسدية أو النسيجية؟

إن الروح الإنسانية لها من الآثار على البدن ما يميز بين الإنسان والنبات، بل بين الإنسان والحيوان، يقول الجُرْجَانِيّ -رحمه الله- (١) في «التَّعريفات»: «الروح الإنساني هو اللطيفة العالمة المُدْرِكة من الإنسان الراكبة على الروح الحيواني نازلٌ من عالم الأمر، تعجِز العقول عن إدراك كنهه وتلك الروح قد تكون مجردة وقد تكون منطبقة في البدن» (٢).

لاحظ قوله «المدركة». ولكن هل يعني هذا أن الرضيع والمعتوه ميتان؟

ليس كذلك، فإنهما لا يزال معهما بعض إدراكٍ، فهما يسمعان ويُبصران ويشُمَّان ويتَذَوَّقان ويحُسَّان، وكل ذلك من أنواع الإدراك. بيد أن الإدراك وحده ليس الخصيصة الوحيدة التي يتميز بها الإنسان عن النبات، ولكنْ هناك خصيصةُ الإرادةِ التي تميز الحياة الإنسانية، ولقد نقل المُناوِيّ في التعاريف عن ابن الكمال -رحمه الله- قوله: «الحياة صفةٌ توجِب للمتصف بها العلمَ والقدرةَ» (٣).

ولكن هل يعني هذا أن من لا علم له ولا قدرة ليس من الأحياء؟

إن هناك حالات الحياة النباتية المستمرة والتي تموت فيها قشرة الدِّمَاغ أو المخ دون


(١) هو: علي بن محمد بن علي، المعروف بالشريف الجُرْجَانِيّ، فيلسوف من كبار العلماء بالعربية، ولد سنة ٧٤٠ هـ، وتوفي -رحمه الله- بشيراز سنة ٨١٦ هـ، له نحو خمسين مصنفًا، منها: «التَّعرِيفَات»، و «شرح مواقف الإيجي»، و «مقاليد العلوم وشرح السراجية في الفرائض»، و «رسالة في فن أصول الحديث». راجع ترجمته في: «الأعلام» للزرِكلِيّ (٥/ ٧)، «مُعْجَم المؤلفين» (٧/ ٢١٦).
(٢) «التَّعرِيفَات» للجُرْجَانِيّ (١/ ١٥٠).
(٣) «التَّعَارِيف» للمُناوِيّ (١/ ٣٠١).

<<  <   >  >>